Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 77-84)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه في نوح عليه السلام : { وَنَصَرْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ … } الآية ، لما كان جُلُّ نُصْرَتِهِ النجاةَ ، وكانت غلبة قومه بأَمر أجنبيٍّ منه ـــ حَسُنَ أنْ يقول : « نصرناه من » ، ولا تتمكن هنا « على » . قال * ص * : عُدِّي « نصرناه » بـ « مِنْ » ؛ لتضمنه معنى : نجينا ، وعصمنا ، ومنعنا . وقال أبو عبيدة : « مِنْ » بمعنى « على » . قلت : وهذا أولى ، وأَمَّا الأول ففيه نظر ؛ لأَنَّ تلك الأَلفاظَ المُقَدِّمَةَ كلها غير مرادفة لـ « نصرنا » ، انتهى . قلت : وكذا يظهر من كلام ابن هشام : ترجيحُ الثاني ، وذِكْرُ هؤلاء الأنبياء - عليهم السلام - ضَرْبُ مَثَلٍ لقصة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم مع قومه ، ونجاةُ الأنبياء ، وهلاكُ مكذبيهم ضمنها تَوَعُّدٌ لِكُفَّارِ قريش . وقوله تعالى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَـٰنَ } المعنى : واذكر داود وسليمان ، هكذا قَدَّرَهُ جماعة من المفسرين ، ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ المعنى : وآتينا داود ، « والنفش » : هو الرعي ليلاً ، ومضى الحكم في الإسلام بتضمين أربابِ النعم ما أفسدت بالليل ؛ لأنَّ على أهلها أَنْ يثقفوها ، وعلى أهل الزروع حفظها بالنهار ، هذا هو مُقْتَضَى الحديث في ناقة ابن عازب ، وهو مذهب مالك وجمهور الأُمَّةِ ، وفي كتاب ابن سحنون : إن الحديث إنَّما جاء في أمثالِ المدينة التي هي حيطان محدقة ، وأمَّا البلاد التي هي زروع متصلة غير محظرة فيضمن أربابُ النَّعَمِ ما أفسدتْ بالليل والنهار . قال * ص * : والضمير في قوله : { لِحُكْمِهِمْ } يعودُ على الحاكمين والمحكوم له ؛ وعليه أبو البقاء . وقيل : الضمير لداودَ وسليمانَ - عليهما السلام - فقط ، وجُمِعَ ؛ لأَنَّ الاثنين جمع انتهى . قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : المواشي على قسمين : ضوار ، وغير ضوار ، وهكذا قَسَّمَهَا مالك ، فالضواري : هي المعتادة بأكل الزرع والثمار ، فقال مالك : تُغَرَّبُ وتُبَاعُ في بلد لا زرعَ فيه ، ورواه ابن القاسم في الكتاب وغيره . قال ابن حبيب : وإنْ كَرِهَ ذلك أربابُها ، وكان قول مالك في الدَّابَّةِ التي ضريت بفساد الزرع أَنْ تُغَرِّبَ وتُبَاعَ ، وأَمَّا ما يُسْتَطَاعُ الاحتراز منه فلا يُؤْمَرُ صاحبه بإخراجه عن ملكه ، وهذا بَيِّنٌ . انتهى . وقوله : { يُسَبِّحْنَ } ، أي : يقلن : سبحان اللَّه ؛ هذا قول الأكثر ، وذهبت فرقة منهم منذرُ بن سعيد إلى أنه بمعنى : يُصَلِّينَ معه بصلاته ، واللبوس في اللغة : هو السلاح ، فمنه الدرع وغيره . قال * ص * : و { لَبُوس } معناه : مَلْبُوسٌ ؛ كالرُّكُوب بمعنى المَرْكُوب ؛ قال الشاعر [ الطويل ] . @ عَلَيْهَا أَسُودٌ ضَارِيَاتٌ لَبُوسُهُم سَوَابِعُ بِيضٌ لاَ تُخَرِّقُهَا النَّبْلُ @@ { وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرِّيحَ } ، أي : وسخرنا لسليمانَ الريحَ ، هذا على قراءة النصب وقرأت فرقة « الريحُ » بالرفع ، ويروى أَنَّ الريح العاصفة كانت تهبُّ على سرير سليمانَ الذي فيه بساطه ، وقد مد حول البساط بالخشب والألواح حتى صَنَعَ سريراً يَحْمِلُ جميع عسكره وأقواته ، فتقله من الأرض في الهواء ، ثم تتولاه الريح الرُّخَاءُ بعد ذلك فتحمله إلى حيث أراد سليمان . قال * ص * : والعَصْفُ : الشِّدَّةُ ، والرُّخَاءُ : اللين . انتهى . وقوله تعالى : { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَـٰرَكْنَا فِيهَا } اخْتُلِفَ فيها ، فقالت فرقة : هي الشام ، وكانت مسكنَه وموضعَ ملكه ، وقد قال بعضهم : إنَّ العاصفة هي في القفول على عادة البشر والدَّوابِّ في الإسراع إلى الوطن ، وإنَّ الرُّخَاء كانت في البدأة حيث أصاب ، أي : حيث يقصد ؛ لأَنَّ ذلك وقت تأنٍ وتدبير وتقلُّبِ رأي ، ويحتمل : أنْ يريد الأَرض التي يسير إليها سليمان كائنةً ما كانت ، وذلك أَنَّهُ لم يكن يسير إلى أَرض إلاَّ أصلحها اللَّه تعالى به صلى الله عليه وسلم ، ولا بركةَ أَعظَمُ من هذا ، والغوصُ : الدخول في الماء والأرض ، والعمل دون ذلك البنيان وغيره من الصنائع والخدمة ونحوها ، { وَكُنَّا لَهُمْ حَـٰفِظِينَ } قيل : معناه : مِنْ إفسادهم ما صنعوه ، وقيل : غير هذا . قلت : وقوله سبحانه : { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ } هذا الاسم المُبَارَكُ مناسب لحال أَيُّوبَ عليه السلام ، وقد روى أسامة بن زيد ( رضي اللَّه عنه ) أَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ لِلَّهِ تَعَالَىٰ مَلَكاً مُوَكَّلاً بِمَنْ يَقُولُ : يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين ، فَمَنْ قَالَهَا ثَلاَثاً ، قَالَ لَهُ المَلَكُ : إنَّ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكَ ؛ فَاسْأَلْ " رواه الحكام في « المَسْتَدْرَكِ » ، وعن أنس بن مالك ( رضي اللَّه عنه ) قال : " مَرَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ ، وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم : سَلْ ؛ فَقَدْ نَظَرَ اللَّهُ إلَيْكَ " رواه الحاكم ، انتهى من « السلاح » . وفي قصص أيوبَ عليه السلام طُولٌ واختلاف ، وتلخيصُ بعض ذلك : أَنَّ أيوبَ عليه السلام أصابه اللَّه تعالى بأكلة في بدنه ، فلما عَظُمَتْ ، وتقطَّع بدنه ، أخرجه الناس من بينهم ، ولم يبقَ معه غيرُ زوجته ، ويقال : كانت بنتَ يوسفَ الصديق عليه السلام قيل : اسمها رحمة ، وقيل في أيوب : إنَّه من بني إسرائيل وقيل : إنه من « الروم » من قرية « عيصو » ، فكانت زوجته تسعى عليه ، وتأْتيه بما يأكل ، وتقوم عليه ، ودامَ عليه ضُرُّهُ مدَّة طويلة ، وروي أَنَّ أيوب ( عليه السلام ) لم يزل صابراً شاكراً ، لا يدعو في كشف ما به ، حتى إنَّ الدودة تسقط منه فيردها ، فمرَّ به قوم كانوا يعادونه فسمتوا به ؛ فحينئذٍ دعا رَبَّهُ سبحانه فاستجاب له ، وكانت امرأته غائبةً عنه في بعض شأنها ، فأنبع اللَّه تعالى له عيناً ، وأُمِرَ بالشرب منها فبرىء باطنه ، وأُمِرَ بالاغتسال فبرىء ظاهره ، ورُدَّ إلى أفضل جماله ، وأوتي بأحسن ثياب ، وهبَّ عليه رجل من جراد من ذهب فجعل يحتفن منه في ثوبه ، فناداه ربه سبحانه وتعالى : « يا أيوب ألمْ أكنْ أغنيتك عن هذا ؟ فقال : بلى يا رب ، ولكن لا غنى بي عن بركتك » فبينما هو كذلك إذ جاءت امرأته ، فلم تره في الموضع ، فجزعت وَظَنَّتْ أَنَّهُ أزيل عنه ، فجعلت تتولَّهُ رضي اللَّه عنها ، فقال لها : ما شَأْنُكِ أيتها المرأة ؟ فهابته ؛ لحسن هيئته ، وقالت : إنِّي فقدت مريضاً لي في هذا الموضع ، ومعالم المكانِ قد تغيرت ، وتأملته في أثناءِ المقاولة فرأت أيوبَ ، فقالت له : أنت أيوبُ ؟ فقال لها : نعم ، واعتنقها ، وبكى ، فَرُوِيَ أنه لم يُفَارِقْهَا حَتَّى أراه اللَّه جميعَ مالِهِ حاضراً بين يديه . واختلف الناس في أهله وولده الذين آتاه اللَّه ، فقيل : كان ذلك كله في الدنيا فَرَدَّ اللَّه عليه ولده بأعيانهم ، وجعل مثلهم له عدة في الآخرة ، وقيل : بل أُوتي جميع ذلك في الدنيا من أهل ومال . * ت * : وقد قَدَّمَ * ع * في صدر القصة : إن اللَّه سبحانه أَذِنَ لإبليسَ ( لعنه اللَّه ) في إهلاك مال أيوبَ ، وفي إهلاك بنيه وقرابته ، ففعل ذلك أجمع ، واللَّه أعلم بصحة ذلك ، ولو صَحَّ لوجب تأويله . وقوله سبحانه : { وَذِكْرَىٰ لِلْعَـٰبِدِينَ } ، أي : وتذكرة وموعظة للمؤمنين ، ولا يعبد اللَّه إلاَّ مؤمن .