Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 51-60)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { يَٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } يحتمل أنْ يكون معناه : وقلنا يا أيها الرسلُ ، وقالت فرقة : الخطاب بقوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم . قال * ع * : والوجه في هذا أَنْ يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وخرج بهذه الصيغة ، لِيُفْهَمَ وجيزاً أَنَّ المقالة قد خُوطِبَ بها كُلُّ نبيٍّ ، أو هي طريقتُهم التي ينبغي لهم الكونُ عليها ؛ كما تقول لعالم : يا علماءٌ إنَّكُم أَئمَّةٌ يُقْتَدَى بكم ؛ فتمسكوا بعلمكم ، وقال الطبريُّ : الخطاب لعيسَى عليه السلام . قلت : والصحيح في تأويل الآية : أَنَّه أمر للمُرْسَلِينَ كما هو نَصٌّ صريح في الحديث الصحيح ؛ فلا معنى للتردد في ذلك وقد روى مسلم والترمذيُّ عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللّهَ طَيِّب وَلاَ يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً ، وَإنَّ اللّهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : { يَٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ المؤمنون : الآية51 ] . وقال : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } [ البقرة : 172 ] . ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَر ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حرامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وغُذِّيَ بِالْحَرَامِ ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ ! " اهـــ . وقوله تعالى : { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } ، وهذه الآية تُقَوَّى أَنَّ قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } إنَّما هو مخاطبة لجميعهم ، وأَنَّه بتقدير حضورهم ، وإذا قُدِّرَتْ : { يَٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } مخاطبةً للنبي صلى الله عليه وسلم ـــ قَلِقَ اتصالُ هذه واتصال وقولِهِ : { فَتَقَطَّعُواْ } ، ومعنى الأُمَّةِ هنا : المِلّةُ والشريعة ، والإِشارة بهذه إلى الحنيفية السمحة مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام ، وهو دين الإِسلام . وقوله سبحانه : { فَتَقَطَّعُوا } يريد الأمم ، أي : افترقوا ، وليس بفعل مُطَاوِعٍ ؛ كما تقول : تقطع الثوبُ ؛ بل هو فعل مُتَعَدٍّ بمعنى قطعوا ، وقرأ نافع : « زُبُراً » جمع زبور ، وهذه القراءة تحتمل معنيين . أحدهما : أَنَّ الأممَ تنازعت كتباً مُنَزَّلَةً فَاتَّبَعَتْ فرقة الصُّحُفَ ، وفرقة التوراة ، وفرقة الإنجِيلَ ، ثم حَرَّفَ الكُلُّ وَبَدَّلَ ، وهذا قول قتادة ـــ والثاني : أنَّهم تنازعوا أمرهم كتباً وضعوها وضلالةً ألَّفُوها ؛ قاله ابن زيد ، وقرأ أبو عمرو بخلاف : « زُبَراً » بضم الزاي وفتح الباء ، ومعناها : فرقاً كزبر الحديد ، ومن حيث كان ذكرُ الأمم في هذه الآية مثالاً لقريش ـــ خاطب اللّه سبحانه نَبِيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم في شأنهم مُتَّصلاً بقوله : { فَذَرْهُمْ } أي : فذِرْ هؤلاء الذين هم بمنزلة مَنْ تقدم ، والغمرة : ما عَمَّهُمْ من ضلالهم وفُعِلَ بهم فعلَ الماء الغمر بما حصل فيه ، والخيراتُ هنا نَعِمُ الدنيا . وقوله سبحانه : { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ . … } الآية : أسند الطبريُّ عن عائشة أنها قالت : " قلتُ : يا رسولَ اللّه ، قوله تعالى : { يُؤْتُونَ مَا آتَوا } أَهي في الذي يَزْنِي وَيَسْرِقُ ؟ قال : لا ، يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ، بَلْ هِيَ في الرَّجُلِ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَقَلْبُهُ وَجِلٌ ، يَخَافُ أَلاَّ يُتَقَبَّلَ مِنْهُ " قال * ع * : ولا نظرَ مع الحديث ، والوَجَلُ : نحو الاشفاق والخوف ، وصورة هذا الوَجِلِ إمَّا المُخَلِّطُ ؛ فينبغي أنْ يكونَ أبداً تحت خوف من أنْ يكونَ ينفذ عليه الوعيد بتخليطه ، وإمَّا التَّقِيُّ أوِ التائب ، فخوفه أمرَ الخاتمة وما يطلع عليه بعد الموتِ ، وفي قوله تعالى : { أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَٰجِعُونَ } : تنبيهٌ على الخاتمة ، وقال الحسن : معناه الذين يفعلون ما يفعلون من البِرِّ ، ويخافون أَلاَّ يُنْجِيَهُم ذلك من عذاب رَبِّهِم ، وهذه عبارة حسنة ، ورُوِيَ عن الحَسَنِ أيضاً أَنَّهُ قال : المؤمن يجمع إحساناً وشفقةً ، والمنافِقُ يجمع إساءَةً وأمناً . قلت : ولهذا الخَطْبِ العظيم أطال الأولياءُ في هذه الدار حُزْنَهُمْ وأجروا على الوجنات مدامعهم . قال ابن المبارك في « رقائقه » : أخبرنا سفيان قال : إنما الحُزْنُ على قَدْرِ البصيرة . قال ابن المبارك : وأخبرنا مالك بن مغول عن رجل عن الحسن قال : ما عُبِدَ اللّهُ بمثل طُولِ الحُزْنِ ، وقال ابن المبارك أيضاً : أخبرنا مسعر عن عبد الأعلى التَّيْمِيِّ قال : أَنَّ مَنْ أُوتي من العلم ما لا يُبْكِيهِ لَخَلِيقٌ أَلاَّ يكونَ أُوتِيَ علماً ينفعه ؛ لأَنَّ اللّه تعالى نَعَتَ العلماءَ فقال : { إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } إلى قوله : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ } [ الإسراء : 107 - 109 ] ، انتهى .