Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 66-76)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني القرآن و { تَنكِصُونَ } معناه : ترجعون وراءَكُم ، وهذه استعارة للإعراض والإدبار عن الحَقِّ و { مُسْتَكْبِرِينَ } حال والضمير في { بِهِ } : عائد على الحَرَم والمسجد وإنْ لم يَتَقَدَّمْ له ذكر ؛ لشهرته ، والمعنى : إنكم تعتقدون في نفوسكم أَنَّ لكم بالمسجد الحرام أعظَم الحقوق على الناسِ والمنزلةَ عند اللَّه ، فأنتم تستكبرون لذلك ، وليس الاستكبار من الحق . وقالت فرقة : الضمير عائد على القرآن والمعنى : يُحْدِثُ لكم سماعُ آياتي كبراً وطغياناً ، وهذا قولٌ جَيِّدٌ ، وذكر منذر ابن سعيد : أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وهو مُتَعَلِّقٌ بما بعده ، كأن الكلام تَمَّ في قوله : { مُسْتَكْبِرِينَ } ثم قال : بمحمد عليه السلام سامراً تهجرون ، و { سَامِراً } حال ، وهو مفرد بمعنى الجمع ؛ يقال : قوم سُمَّرٌ وسَمَرةٌ وسَامِرٌ ، ومعناهُ : سُهَّرُ الليل مأخوذ من السَّمَرِ وهو ما يقع على الأشخاص من ضوء القمر ، وكانت العرب تجلس للسمر تتحدث وهذا أَوْجَبَ معرفَتها بالنجوم ؛ لأَنَّها تجلس في الصحراء فترى الطوالِعَ من الغوارب ، وقرأ أبو رجاء : « سُمَاراً » وقرأ ابن عباس وغيره : « سمرا » وكانت قريش تَسْمُرَ حول الكعبة في أباطيلها وكفرها ، وقرأ السبعة غيرَ نافع : « تَهْجُرُونَ » : بفتح التاء وضم الجيم ؛ قال ابن عباس معناه : تهجرون الحَقَّ وذِكْرَ اللَّه ، وتقطعونه ؛ من الهجران المعروف ، وقال ابن زيد : هو من هجر المريض : إذا هذى ، أي : تقولون اللغوَ من القول ؛ وقاله أبو حاتم ، وقرأ نافع وحده : « تُهْجِرونَ » : بضم التاء وكسر الجيم وهي قراءة أهل المدينة ، ومعناه : تقولون الفُحْشَ والهجر من القول ، وهذه إشارة إلى سَبِّهِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ قال ابن عباس أيضاً وغيره ، ثم وبخهم سبحانه بقوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } لأنهم بعد التدبر والنظر الفاسد قال بعضهم : شِعْرٌ ، وبعضهم : سِحْرٌ وغير ذلك ، أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوَّلين أي : ليس بِبِدْعٍ بل قد جاء آباءهم الأَوَّلِينَ ، وهم سالف الأمم الرُّسُلُ ؛ كنوح ، وإبراهيم ، وإسماعيلَ وغيرهم ، وفي هذا التأويل من التَّجَوُّزِ أَنَّ جَعْلَ سالف الأمم ، آباء ؛ إذِ الناس في الجملة آخِرُهم من أَوَّلِهِم . { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ } المعنى : ألم يعرفوا صدقه وأمانته مدَّةَ عمره صلى الله عليه وسلم . وقوله سبحانه : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ } . قال ابن جريج ، وأبو صالح : الحقُّ : اللَّه تعالى . قال * ع * : وهذا ليس من نَمَطِ الآية ، وقال غيرهما : الحق هنا : الصواب والمستقيم . قال * ع * : وهذا هو الأحرى ، ويستقيمُ على هذا فسادُ السمواتِ والأرض ومَنْ فيهن لو كان بحكم هوى هؤلاءِ ؛ وذلك أَنَّهُم جعلوا للَّه شركاءَ وأولاداً ، ولو كان هذا حَقّاً لم تكن للَّه عز وجل الصفاتُ العِلَيَّةُ ، ولو لم تكن له سبحانه ـــ لم تكن الصَّنْعَةُ ، ولا القُدْرَةُ كما هي ، وكان ذلك فسادُ السمواتِ والأرض ومَنْ فيهن : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] . وقوله سبحانه : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } قال ابن عباس : بوعظهم ، ويحتمل : بشرفهم ، وهو مَرْويٌّ . { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً } الخَرْجُ والخراج بمعنًى ، وهو : المال الذي يُجْبَى وَيُؤْتَىٰ به لأوقات محدودة . وقوله سبحانه : { فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } يريد ثوابَهُ ، ويحتمل أن يريد بخراج ربك : رِزْقَه ، ويُؤَيِّدُهُ قوله : { وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } . و « الصراط المستقيم » دين الإسلام ، « وناكبون » : أَي : مجادلون ومُعْرِضُون ، وقال البخاريُّ : { لَنَاكِبُونَ } : لعادلون ، انتهى . قال أبو حيان : يقال : نكب عن الطريقِ ونَكَّبَ بالتشديد ، أي : عَدَلَ عنه ، انتهى ، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لو زال عنهم القَحْطُ ، ومَنَّ اللَّه عليهم بالخصب ، ورَحِمَهُم بذلك ـــ لبقوا على كفرهم ولَجُّوا في طغيانهم ، وهذه الآية نزلت في المُدَّةِ التي أصاب فيها قريشاً السِّنُونَ الجَدْبَةُ والجُوعُ الذي دعا به النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قوله : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِيُ يُوسُفَ " ، الحديث . { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ } ، قال ابن عباس وغيره : هو الجوعُ والجَدْبُ حَتَّى أكلوا الجلود وما جرى مجراها ، ورُوِيَ أَنَّهم لما بلغهم الجَهْدُ رَكِبَ أبو سفيانُ ، وجاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال : يا محمد ، ألستَ تزعمُ أَنَّك بُعِثْتَ رحمةً للعالمين ؟ قال : بلى ، قَالَ : قَدْ قَتَلْتَ الآباءَ بِالسَّيْفِ ، واْلأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ ، وَقَدْ أكلنا العِلْهِز ؛ فنزلت الآية ، و { ٱسْتَكَانُواْ } معناه : تواضعوا وانخفضوا .