Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 19-24)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ … } الآية : خطابٌ من اللّه تعالى للكفرة ، أخبرهم أنَّ مَعْبُودَاتِهم كذبتهم ، وفي هذا الإخبار خِزْيٌ وتَوْبِيخٌ لهم ، وقرأ حفص عن عاصم : « فَمَا تَسْتَطِيعُونَ » ـــ بالتاء من فوق ـــ ؛ قال مجاهد : الضمير في « يستطيعون » هو للمشركين ، و { صرفاً } معناه رَدُّ التكذيب أو العذاب . وقوله تعالى : { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ } قيل : هو خطاب للكُفَّارِ ، وقيل : للمؤمنين ، والظلم هنا : الشِّرْكُ ، قاله الحسن وغيره ، وقد يحتمل أنْ يعم غيرَه من المعاصي ، وفي حرف أُبَيِّ : « وَمَنْ يَكْذِبْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً » . وقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ … } الآية : رَدٌّ على قريش في قولهم : { مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولُ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } ثم أخبر عز وجل أَنَّ السبب في ذلك أَنَّه جعل بعض عَبيدَهُ فتنةً لبعض على العموم في جميع الناس مؤمن وكافر ، والتوقيف بـ { أَتَصْبِرُونَ } خَاصٌّ بالمُؤمنين المحققين ، قال ابن العربي في « الأحكام » : ولما كثر الباطل في الأسواق ، وظهرت فيه المناكر ـــ كَرِهَ علماؤُنا دخولَها لأرباب الفضل والمُقْتَدَى يهم في الدِّينِ ؛ تنزيهاً لهم عن البقاع التي يُعْصَى اللّه تعالى فيها ، انتهى . ثم أعرب قوله تعالى : { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين وعن عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ دَخَلَ السُّوقَ ، فَقَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ دَرَجَةٍ " رواه الترمذيُّ وابن ماجه ، وهذا لفظ الترمذي ، وزاد في رواية أخرى : « وَبَنَى لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ » ورواه الحاكم في « المستدرك » من عدة طرق ، انتهى من « السلاح » . وقوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا … } الآية : الرجاء هنا على بابه ، وقيل : هو بمعنى الخوف ، ولمَا تَمَنَّتْ كُفَّارُ قريش رؤيةَ رَبِّهِمْ أخبر تعالى عنهم أَنَّهُم عَظَّمُوا أَنفسهم ، وسألوا ما ليسوا له بأهل . * ص * { لَقَدْ } جواب قَسَمٍ محذوف ، انتهى . والضمير في قوله : { وَيَقُولُونَ } قال مجاهد ، وغيرُه : هو للملائكة ، والمعنى : يقول الملائكة للمجرمين : حِجْراً محجوراً عليكم البُشْرَى ، أي : حراماً مُحَرَّماً ، والحِجْرُ : الحرامُ ، وقال مجاهد أيضاً وابن جريج : الضمير للكافرين المجرمين ، قال ابن جريج : كانت العرب إذا كرهوا شيئاً ، قالوا : حِجْراً ، قال مجاهد : عوذاً يستعيذون من الملائكة . قال * ع * : ويحتمل أنْ يكونَ المعنى : ويقولون حرام مُحَرَّمٌ علينا العَفْوُ ، وقد ذكر أبو عبيدة أنَّ هاتين اللفظتين عوذة للعرب يقولها مَنْ خاف آخَرَ في الحَرَمِ ، أو في شهرٍ حرامٍ إذا لقيه وبينهما تِرَةٌ ؛ قال الداودِيُّ : وعن مجاهد : { وقدمنا } أي : عمدنا ، انتهى . قال * ع * : { وقدمنا } أي : حكمنا وإنفاذنا ونحو هذا من الألفاظ اللائقة ، ومعنى الآية : وقصدنا إلى أعمالهم التي لا تَزِنُ شَيْئاً فصيرناها هباءً ، أي : شَيْئاً لا تحصيلَ له ، والهباء : ما يتطايرُ في الهواء من الأجزاء الدقيقة ولا يكادُ يَرى إلاَّ في الشمس ، قاله ابن عباس وغيره ، ومعنى هذه الآية : جعلنا أَعمالهم لا حُكْمَ لها ولا منزلة ، ووصف تعالى الهباء في هذه الآية بمنثور ، ووصفه في غيرها بمُنْبَثٍّ فقالت فرقة : هما سواء ، وقالت فرقة : المُنْبَثُّ : أرَقُّ وأَدَقُّ من المنثورِ ؛ لأَنَّ المنثورَ يقتضي أَنَّ غيره نَثَرَهُ ، والمُنْبَثَّ كأنه انبثَّ من دِقَّتِهِ . وقوله تعالى : { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } ذهب ابن عباس والنَّخَعِيُّ وابن جريج : إلى أَن حساب الخلق يَكْمُلُ في وقت ارتفاع النهار ، وَيَقِيلُ أهلُ الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، فالمقيل : القائلة . قال * ع * : ويُحْتَمَلُ أَنَّ اللفظة إنَّما تضمنت تفضيلَ الجَنَّةِ جُمْلَةً ، وحُسْنَ هوائها ؛ فالعرب تفضِّل البلادَ بحُسنِ المقيل ؛ لأَنَّ وقت القائلة يُبْدِي فسادَ هواء البلاد ، فإذا كان بلد في وقت فساد الهواء حسناً حاز الفضل ، وعلى ذلك شواهد .