Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 15-18)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ عِلْماً … } الآية ، هذا ابتداءُ قصَصٍ فيه غيُوبٌ وعَبَرٌ . { وَوَرِثَ سُلَيْمَـٰنُ دَاوُدَ } ، أي : ورثَ مُلكَه وَمنزِلَتَهُ من النبوَّة ؛ بعدَ موتِ أبيهِ ، وقوله : { عُلِّمنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ } إخارٌ بنعمةِ اللّه تعالى عندهما ؛ في اَّنَّ فَهَّمهُمَا مِنْ أصواتِ الطير المعانيَ التي في نفوسِها ، وهذا نحو ما كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْحِجَارَةِ بالسَّلاَمِ عَلَيْهِ ؛ وغير ذلك حسب ما هو في الآثار . قال قَتَادَةُ وغيره : إنَّمَا كان هذا الأمرُ في الطيرِ خاصةً ، والنملةُ طائِرٌ ؛ إذ قد يوجَدُ لَهَا جَنَاحَان . وقالت فُرقَةٌ : بل كَانَ ذَلِكَ في جَمِيعِ الحيَوانِ ؛ وإنما خَصِ الطيرَ ؛ لأْنَّه كان جُنداً من جنودِ سليمان ؛ يحتاجُهُ في التَّظلِيلِ من الشَّمس ؛ وفي البَعْثِ في الأمور . والنَّمْلُ حيوانُ فَطِنٌ قويٌّ شَمَّامٌ جِدّاً ؛ يدَّخِرُ ويتخذُ القِرَىٰ وَيَشُقُّ الحَبَّ بقطعتينِ لِئَلاَّ يُنْبِتَ ، ويشُقَّ الكزبرةَ بأربعِ قطعٍ ؛ لأَنها تُنْبِت إذاً قُسِّمَتْ شقينِ ، ويأكلُ في عامِهِ نصفَ مَا جمعَ ، ويَسْتَقِي سائِرَهُ عُدَّةً . قال ابن العربي في « أحكامه » : ولا خلافَ عندَ العُلَمَاءِ في أَنَّ الحيواناتِ كلَّها لَهَا أفهامٌ وعقولٌ ، وقد قال الشافعيُّ : الحمَامُ أعقلُ الطَّيرِ ، انتهى . وقوله : { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } معناه : يَصْلُحُ لنا ونَتَمَنَّاهُ ؛ ولَيستْ على ٱلعُمومِ . ثُمَّ ذَكَرَ شُكْرَ فَضلِ اللّه تعالى ، واخْتُلِفَ في مقدار جُنْدِ سُليمانَ عليه السلام اختلافاً شديداً ؛ لا أرَى ذكرَه ؛ لعَدَمِ صحةِ التَّحدِيدِ ، غيرَ أنَّ الصَّحِيحَ في هذا أنَّ مُلكَه كَانَ عَظيماً مَلأَ الأَرْضَ ، وٱنْقَادَتْ له المعمُورةُ كُلُّها ، وَكَانَ كُرسيُّه يَحملُ أجْنَادَه من الأنسِ والجنِّ ، وكانتِ الطيرُ تُظِلُّه منَ الشَّمسِ ، ويبعَثُها في الأمور ، و { يُوْزَعُونَ } مَعناهُ : يَرُدُّ أولهُم إلى آخرهم ، ويكُفُّونَ ، قال قَتَادَةُ : فكأنَّ لِكُلِّ صَنْفٍ وَزْعَةً ، ومنه قَوْلُ الحسنِ البصريِّ حين وَلِيَ قضَاءَ البَصْرَةِ : لا بدَّ للحَاكِم من وَزْعَةً ، ومنه قَوْلُ أبي قُحَافَةَ للجاريةِ : ذلك يا بُنَيَّةُ الوازِع ؛ ومنه قولُ الشاعر : [ الطويل ] @ عَلَىٰ حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا فَقُلْتُ : أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ @@ أي : كافٌّ ، وهَكَذا نقل ابنُ العربيِّ عن مَالكٍ ؛ فقال : { يُوزَعُونَ } أي : يُكَفَّونَ . قال ابن العربي : وقد يكُونُ بمعنى يُلهَمُونَ ؛ من قوله { أَوْزِعْنِي أن أَشكُرَ نعمَتَكَ } أي : ألْهِمني ، انتهى من « الإِحكام » .