Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 15-24)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } . قال السدي : كان موسى في وقتِ هذه القصةِ على رَسْمِ التعلُّقِ بفرْعَونَ ، وكان يَرْكَبُ مَرَاكِبَه حتى إنه كان يُدْعَى مُوسَى بنَ فِرْعَوْنَ ، فركب فرعونُ يوماً وسارَ إلى مدينةٍ من مدائنِ مِصْرَ ، فركبَ مُوسَى بَعْدَه ولَحِق بتلكَ المدينَةِ في وقتِ القائِلة ، وهو حينُ الغَفْلَة ؛ قاله ابن عباس ، وقال أيضاً : هو بين العِشَاء والعَتَمَة ، وقيل غيرُ هذا . وقوله تعالى : { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أي من بني إسرائيل ، و { عَدُوِّهِ } هم القِبْطُ ، و « الوَكْزُ » : الضَّرْبُ باليدِ مجموعةً ، وقرأ ابن مسعود : « فَلَكَزَهْ » والمعنى : واحد ؛ إلا أن اللَّكْزَ في اللَّحْيِ ، والوَكْزَ علَى القَلْبِ ، و { قضى عليه } معناه : قَتَلَه مُجْهِزاً ، ولم يُرِدْ عَلَيْهِ السلامُ قَتَلَ القِبْطِيِّ ، لَكِنْ وَافَقَتْ وَكْزَتُهُ الأَجَلَ ؛ فَنَدِمَ ، ورأَى أنَّ ذلك من نَزْعِ الشيطانِ . في يده ، إن نَدَامَةَ موسى عليه السلام حَمَلَتْهُ على الخُضُوعِ لربِّه والاسْتِغْفَارِ من ذنبه ، فغفر اللّه له ، ذلك ، ومع ذلك لَم يَزَلْ عليه السلام يُعيد ذلك على نفسه مع علمه أَنه قَد غُفِر له ، حتى إنَّهُ في القِيَامِةِ يَقُولُ : « وَقَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بقَتْلِهَا » ؛ حَسْبَمَا صَحَّ فِي حدِيثِ الشفاعة ، ثم قال موسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ معاهداً لربه : رَبِّ بنعمتِكَ عليّ وبسبب إحسانِك وغُفْرانِك ، فأنا مُلْتَزِمٌ أَلاَّ أكون مُعِيناً للمجرمين ؛ هذا أحسن ما تأول . وقال الطبري : إنه قَسَمٌ ؛ أقسم بنعمة اللّهِ عندَه . قال * ع * : واحتج أهلُ الفضلِ والعلمِ بهذهِ الآيةِ في مَنْعِ خِدْمَة أهل الجَوْرِ ومَعُونَتِهم في شيء من أمورهم ، ورأوا أنها تَتَنَاوَلُ ذلكَ ؛ نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره . قال ابن عباس : ثم إنَّ مُوسَى ـــ عليه السلام ـــ مرَّ وَهُوَ بحالةِ التَّرَقُّبِ ؛ وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قَاتَلَ القبطيَّ بالأَمسِ يُقاتِلُ آخرَ مِن القِبْطِ ، وكان قَتَلُ القبطيّ قد خفي على الناس واكْتَتَم ، فلما رأَى الإسرائيلي موسى ، استصرخه ، بمعنى صاحَ بهِ مستغيثاً فلما رأى موسى ـــ عليه السلام ـــ قِتَالهُ لآخرَ ؛ أعظم ذلكَ وقال له مُعَاتباً ومُؤَنِّباً : { إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ } وكانت إرادة موسى ـــ عليه السلام ـــ مع ذلك ، أن ينصرَ الإسرائيلي ، فلما دنا منهما ، وحبس الإسرائيلي وفَزَعَ منه ، وظن أنه ربما ضَرَبَه ، وفزع من قوتِهِ التي رأى بالأمس ، فناداه بالفضيحةِ وشهَّر أمرَ المقتُولِ ، ولما اشْتَهِرَ أنَّ مُوسَى قَتَل القَتِيلَ ، وكان قول الإسرائيلي يَغْلِبُ على النفُوسِ تصديقُه على موسَى ، مَعَ ما كانَ لِمُوسَى مِنَ المقدِّمَاتِ أتى رأْيُ فِرْعَونَ ومَلاَئِه علَى قَتْلِ مُوسَى ، وغَلَبَ على نفسِ فرعون أنه المشارُ إليه بفَسَادِ المَمْلَكَةِ ، فأنْفَد فيهِ مَنْ يطلُبه ويأْتي بهِ للقَتْلِ ، وألْهَمَ اللّهُ رَجُلاً ؛ يقالُ إنه مؤمِنٌ مِن آل فرعَونَ أو غيره ، فجاء إلى موسَى وبَلَّغَهُ قبلَهُم وَ { يَسْعَى } معناه : يُسْرِعُ في مَشْيه ؛ قاله الزجاج وغيره ، وهو دونَ الجَرْيِ ، فقال : { يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ . … } الآية . * ت * قال الهروي : قوله تعالى : { يَأْتَمِرُونَ بِكَ } أي : يؤامُرُ بعضُهُم بعضاً في قَتلِك ، وقال الأزهري : الباءُ في قوله : { يَأتَمِرُونَ بِك } بمعنى : « في » يقال : ائتَمَرَ القومُ إذا شَاوَرَ بَعْضُهمْ بَعْضاً ، انتهى . وعن أبي مجلز ـــ واسمه لاحق بن حميد ـــ قال : من خاف من أمير ظُلُماً فقال : رضيت باللّه ، رَبّاً وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبيّاً وبالقرآن حَكَماً وإماماً نجَّاه اللّه منه ؛ رواه ابن أبي شيبة في « مصنفه » ، انتهى من « السلاح » . و { تِلْقَاء } معناه نَاحِيَةَ مدين ، وبينَ مِصرَ ومَدْيَنَ مسيرةَ ثَمانِيَةَ أيامٍ ، وكانَ مُلْكُ مدين لغير فرعونَ ، ولما خَرَجَ عليه السلام فارّاً بنفسهِ منفرداً حافياً ؛ لا شيءَ معه ولا زادَ وغيرَ عارفٍ بالطريقِ ؛ أسْنَدَ أمرَه إلى اللّهِ تعالى وقال : { عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ ٱلسَّبِيلِ } ومشى ـــ عليه السلامُ ـــ حتى وَرَدَ ماءَ مدينَ ، وَوُرُودُهُ المَاءَ ، معناه : بلُوغُه ، ومدينُ : لا ينْصَرِفُ إذ هو بلدٍ معروفٌ ، والأمَّة : الجمعُ الكثيرُ ، و { يَسْقُونَ } معناه : ماشيتَهم ، و { مِن دُونِهِمْ } معناه : ناحيةً إلى الجهةِ الَّتي جَاء مِنها ، فَوَصَل إلى المرْأَتَيْنِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلى الأُمَّةِ ، و { تَذُودَانِ } معناه : تَمْنعَانِ ، وتَحْبِسَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ الماءِ ؛ خوفاً من السُّقَاةِ الأقوياء ، و { أَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } ، أي : لا يستطيعُ ؛ لِضَعْفِهِ أن يُبَاشِرَ أمْرَ غَنَمِه . وقوله تعالى : { فَسَقَىٰ لَهُمَا } . قالت فرقة : كانت آبارهم مغطاةً بحجارةٍ كبارٍ ، فَعَمَدَ إلى بِئْرٍ ، وكان حَجَرُهَا لاَ يرفعُه إلاَّ جَماعَة ، فَرَفَعَهُ وسقى للمرأتين . فَعَنْ رَفْعِ الصَّخْرَةِ وصِفتْه إحداهُما بالقوة ، وقيل وصفَتْه بالقوة ؛ لأنه زَحَمَ النَّاسَ وغَلَبَهُمْ عَلى المَاءِ حتى سَقَى لهما . وقرأ الجمهور « يُصْدِر الرِّعَاء » ـــ على حَذْفِ المفعولِ ـــ تقديرُه : مواشِيَهم ، وتَولّى موسى إلى الظلِّ وتعرَّضَ لسؤَال ما يَظْعَمُه بقوله : { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ولم يُصَرِّحْ بسؤالٍ ؛ هكَذا ، رَوَى جَمِيعُ المفسرينَ أنَّه طلبَ في هذا الكلامَ ما يأكلُه ، قال ابن عباس : وكان قَدْ بَلَغَ به عليه السلام الجوعُ إلى أن اخْضَرَّ لونُه من أكل البَقْل ، وَرُئِيَتْ خُضْرة البقْلِ في بَطْنِهِ ، وإنه لأَكْرَمُ الخلقِ يومئِذٍ على اللّه ، وفي هذا مُعْتَبَرٌ وحاكمٌ بهَوَانِ الدُّنْيا على اللّه تعالى ، وعن معاذ بن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَكَلَ طَعَاماً ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ ـــ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، ومَنْ لَبِسَ ثَوْباً ، فَقَالَ : الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ " رواه أبو داود ؛ واللفظُ له ، والترمذيُّ وابن ماجه والحاكم في « المستدرك » ، وقال : صحيح على شرط البخاريِّ ، وقالَ الترمذيُّ : حسنٌ غريبٌ ، انتهى من « السِّلاح » .