Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 76-79)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { إِنَّ قَـٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ … } الآية ، كان قارونُ مِنْ قرابةِ مُوسى : ممن آمن بموسى وحَفظَ التوراةَ وكَانَ عند مُوْسَى عليه السلام مِنْ عُبَّادِ الْمُؤمِنين ، ثم إنَّ اللّه أضَلَّهُ وبَغَى عَلى قَوْمِهِ بأَنْوَاعِ البَغْيِ ؛ مِنْ ذلكَ كُفْرُهُ بموسَى . وقال الثَّعْلَبِيُّ : قال ابن المسيب : كانَ قارونُ عامِلاً لِفِرْعونَ عَلى بني إسرائيل ؛ ممنْ يبغي عليهم ويظلُمهم . قال قتادةُ : بَغَى عليهم بِكَثْرَةِ مالِهِ وولدِه ، انتهى . * ت * : وما ذَكَرَهُ ابنُ المسيب ، هو الذي يَصِحُّ في النظر لمتُأَمِّلِ الآيةِ ، ولَوْلاَ الإطَالَةُ لَبَيَّنْتُ وَجْهَ ذَلِكَ ، والمَفاتِحُ ظاهِرُها : أنها التي يُفْتَحُ بِها ، ويحتمل أنْ يُرِيدَ بها : الخزائنَ والأوعيةَ الكبارَ ؛ قاله الضحاك ؛ لأنَّ المِفْتَحُ في كلام العرب الخِزَانَةُ ، وأمَّا قَوله : { لَتَنُوءُ } فمعناه : تَنْهَضُ بتحامل واشتدادِ ، قال كثير من المفسرين : إنَّ المرادَ : أن العُصْبةَ تَنُوءُ بالمفَاتِح المُثْقِلةِ لها فَقُلِبَ . * قلت * : وقال : عريب الأندلسي في كتاب « الأَنواء » له نَوْءُ كذا ؛ معناه : مُثلُه ومنه : { لتنوأُ بالعصبة } ، انتهى ، وهو حَسَنٌ إنْ سَاعَدَهُ النَّقْلُ . وقالَ الدَّاوُودِيُّ عن ابن عباسٍ : { لتنوأُ بالعصبة أولى القوة } يقولُ تَثْقُلُ ؛ وكذا قال الواحديُّ ، انتهى . واخْتُلِفَ في العصبة : كمْ هُمْ ؟ فقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ - رضي اللّه عنه - : ثَلاثَةُ ، وقال قتادةُ : هم من العشرة إلى الأربعين ، قال البخاريُّ : يقال : الفَرِحينَ المَرِحينَ . قال الغَزَالِيُّ : في « الإحْيَاءِ » : الفَرَحُ بالدنيا والتَّنَعُّمُ بِهَا سُمٌّ قَاتِلٌ يَسْرِي في العُرُوقِ ؛ فَيُخْرِجُ مِن القَلْبِ الخوفَ والحَزَنَ وذِكْرَ الموتِ وأهوالَ القيامة ؛ وهذا هو موتُ القلبِ والعياذُ باللّهِ ، فأولوا الحَزْم من أربابِ القلوبِ جَرَّبُوا قلوبَهم في حال الفَرَحِ بمُوَاتَاةِ الدنيا ، وعلموا أن النَّجَاةَ في الحُزْنِ الدائم ، والتباعُدِ من أسبابِ الفَرَح ، والبَطَرِ ؛ فقَطَّعُوا النَّفْسَ عن ملاذِّها وعَوَّدُوها الصَّبْرَ عَنْ شَهَوَاتِها ؛ حَلالِها وحَرَامِهَا وعلموا أن حلالَها حِسَابٌ وهُوَ نَوْعُ عذابٍ ، وَمَنْ نُوقِشَ الحساب عُذِّبَ ، فَخَلَّصُوا أَنْفُسَهُمْ من عَذابِهَا ، وَتَوَصَّلُوا إلى الحرّية والملكِ في الدنيا والآخرة ؛ بالخلاص من أسْرِ الشهواتِ وَرقِّها ، والأنْسِ بِذِكْرِ اللّهِ تعَالَى والاشْتِغَالِ بِطَاعَتِه ، انتهى . قال ابن الحاجِّ في « المَدْخَلِ » : قال يَمَنُ بن رزق ـــ رحمه اللّه تعالى ـــ : وأنا أُوصيكَ بأن تُطِيلَ النظرَ في مِرْآةِ الفِكْرَةِ مَعَ كثرةِ الخَلَوَاتِ ، حَتَّى يُرِيَكَ شَيْنَ المَعْصِيَةِ وَقُبْحِهَا ، فَيَدْعُوكَ ذَلِكَ النَّظَرُ إلى تَركها ، ثم قال يمن بن رزق : ولاَ تَفْرَحَنَّ بِكَثْرَةِ العَمل مع قلةِ الحزْنِ ، واغْتَنِمْ قليلَ العَمَلِ مَعَ الحزنِ ، فإن قليلَ حُزْنِ الآخرةِ الدَّائِمِ فِي القلبِ ؛ يَنْفِي كُلَّ سُرُورِ ألفْتَهُ من سرورِ الدنيا ، وقليلَ سرورِ الدنيا في القلبِ ؛ يَنْفِي عنكَ جميعَ حُزن الآخِرَة . والحزنُ لا يصلُ إلى القلبِ إلاَّ مع تَيَقُّظِهِ ؛ وَتَيَقُّظُهُ حَيَاتهُ ، وسرورُ الدُّنيا لِغَيْرِ الآخرةِ لا يصلُ إلى القلب إلا مع غَفْلَتِه ؛ وغفلةُ القَلْبِ مَوتُه ، وعلامةُ ثَبَاتِ اليقِينِ في القَلْبِ اسْتِدَامَةِ الحُزْن فِيهِ . وقال ـــ رحمه اللّه ـــ : اعْلَمْ أني لم أجدْ شَيئاً أبلَغَ في الزُّهد في الدنيا من ثباتِ حزْن الآخرة في القلب ، وعلامَةُ ثباتِ حُزْنِ الآخِرةِ في القلبِ أَنْسُ العبدِ بالوَحْدَةِ ، انتهى . وقولهم له : { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } . قال ابن عباس والجمهور : معناه : لا تُضَيِّعْ عُمْرَكَ في أَلاَّ تعمل عملاً صالحاً في دنياك ؛ إذ الآخرةُ يُعْمَلُ لَهَا في الدنيا ، فنصيبُ الإنسانِ عمرُه وعملَه الصالحُ فيها ؛ فينبغي أن لا يُهْمِلَه . وحكى الثعلبيّ أنه قيل : أرادوا بنصيبه الكفَنَ . قال : * ع * : وهذا كلُّه وعْظٌ متَّصِلٌ ؛ ونحو هذا قولُ الشاعر : [ الطويل ] @ نَصِيبُكَ مِمَّا تَجْمَعُ الدَّهْرَ كُلَّه رِدَاءَانِ تُلْوَىٰ فِيهِمَا وَحَنُوطِ @@ وقال ابن العربي في « أحكامه » : وفي معنى النصيبِ ثلاثة أقوال : الأولُ : لا تَنْس حظَّكَ من الدنيا ، أي : لا تَغْفَلْ أنْ تَعْمَلَ في الدنيا للآخرة ، الثاني : أمْسِك مَا يَبْلُغَكَ ؛ فذلك حظُّ الدنيا ، وأنْفِقِ الفَضْلَ فذلكَ حظُّ الآخرة ، الثالث : لاَ تَغْفَلْ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللّهُ بِهِ عَلَيْكَ ، انتهى . وقولهُم : { وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } أمرٌ بِصِلةِ المساكينِ وذَوِي الحاجَاتِ . * ص * : { كَمَا أَحْسَنَ } : - الكاف للتشبيهِ أو للتعليل - ، انتهى . وقول قارون : { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } قال الجمهور : ادَّعَى أنَّ عندَه علماً استوجَبَ به أن يكونَ صاحبَ ذلك المالِ ، ثم اخْتَلَفُوا في ذلك العلم ، فقال ابن المسيب : أراد علم الكيمياء . وقال أبو سليمان الداراني : أراد العلم بالتجارة ووجوهِ تثميرِ المال ، وقيل غير هذا . وقوله تعالى : { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } . قال محمد بن كعب : هو كلامٌ متصِلٌ بمعنى ما قبلَه ، والضميرُ في { ذُنُوبِهِمُ } عائدٌ على مَنْ أُهْلِكَ مِن القرون ، أي : أهْلِكوا وَلَمْ يُسْئَلْ غَيرُهم بَعْدَهُمْ عَنْ ذنوبهم ، أي : كل أحد إنما يُكَلَّمُ ويُعَاتَبُ بِحَسْبِ ما يَخْصُّه ، وقالت فرقة : هو إخبار مستأنَفٌ عَنْ حالِ يومِ القيامةِ ، وجَاءتْ آيات أُخَرُ تَقْتَضِي السؤالَ ، فقالَ الناسُ في هذا : إنها مواطنُ وطوائفُ . وقِيل غيرُ هذا ، ويوم القيامة هو مواطنُ . ثم أخبرَ تعالى عن خُروج قارونَ على قومهِ في زينتِه من الملابِسِ والمَراكِبِ وزينةِ الدنيا وأَكثَرَ النَّاسُ في تحديدِ زينةِ قارونَ وتَعْيِينِها بِمَا لاَ صِحَّةَ لَه ؛ فَتَرَكْتُه ، وبَاقِي الآيَةِ بَيِّنٌ فِي اغترارِ الجَهَلَةِ والإغْمَارِ مِن النَّاسِ .