Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 126-127)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } : الضميرُ في { جَعَلَهُ ٱللَّهُ } : عائدٌ على الإنزال والإمداد ، ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا بهِ ، وتطمئنَّ به قلوبكم ، وترون حِفَايَةَ اللَّه بكم ، وإلا فالكثرةُ لا تُغْنِي شيئًا إلاَّ أنْ ينصر اللَّه ، واللاَّمُ في قوله : { لِيَقْطَعَ } متعلِّقة بقوله : { وَمَا ٱلنَّصْرُ } ، ويحتمل أنْ تكون متعلِّقة بــ { جَعَلَهُ } فيكون قَطْع الطَّرف إشارةً إلى مَنْ قتل ببَدْرٍ ؛ على قول ابن إسحاق وغيره ، أو إلَىٰ من قتل بأحد علَىٰ ما قال السُّدِّيُّ ، وقتل من المشركين ببَدْرٍ سبعون ، وقُتِلَ منهم يوم أحد ٱثنانِ وعِشْرُونَ رجُلاً ، والطرف الفريق . وقوله سبحانه : { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } : معناه يُخْزِيَهُمْ والكَبْتُ : الصرع لليَدَيْن . وقال * ص * : الكَبْت : الهزيمة ، وقيل : الصَّرْع لليدين اهـــ . وقوله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ … } الآية : رُويَ في سبب هذه الآية ؛ أنَّه لما هزم أصحابه صلى الله عليه وسلم ، وشُجَّ وَجْهُهُ ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، جَعَلَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ ، وَيَقُولُ : " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ " ، وفي بعض طُرُق الحَدِيثِ : " كَيْفَ بِقَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّه " ، فَنَزَلَتِ الآيةُ ، فقيلِ لَهُ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } ، أي : عواقب الأمور بيد اللَّه ، فٱمْضِ أنْتَ لشأْنِكَ ، ودُمْ على الدعاء إلَىٰ ربِّك . قُلْتُ : وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم ممتثلاً أَمْرَ ربِّه ، قال عِيَاض : رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَشُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَىٰ أَصْحَابِهِ ، وَقَالُوا : لَوْ دَعَوْتَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : " إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ دَاعِياً ، وَرَحْمَةً ، اللَّهُمَّ ٱهْدِ قَوْمِي ، فإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " ، ورُوِيَ عن عُمَر ( رضي اللَّه عنه ) ؛ أنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كلامه : بِأَبِي وَأُمِّي أنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ دَعَا نُوحٌ عَلَىٰ قَوْمِهِ ، فَقَالَ : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ } [ نوح : 26 ] وَلَوْ دَعَوْتَ عَلَيْنَا ، لَهَلَكْنَا مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا ، فَلَقَدْ وُطِيءَ ظَهْرُكَ ، وَأُدْمِيَ وَجْهُكَ ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَتُكَ ، فَأَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إلاَّ خَيْراً ، فَقُلْتَ : " اللَّهُمَّ ، ٱغْفِرْ لِقَوْمِي ؛ فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " اهـــ . قال الطبريُّ وغيره من المفسِّرين : { أَوْ يَتُوبَ } عطْفٌ على { يَكْبِتَهُمْ } والمعنى : أوْ يَتُوبَ عليهم ، فَيَسْلَمُونَ أو يُعَذِّبَهم ، إنْ تَمَادَوْا علَىٰ كفرهم ؛ فإنهم ظالمون ، ثم أكَّد سبحانه معنَىٰ قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } بذكْرِ الحُجَّةِ السَّاطعة في ذلك ، وهي ملكه الأشياء ، فقال سُبْحانه : { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، أي : فله سبحانه أنْ يفعل بحَقِّ ملكه ما يشاء ، لا ٱعتراض علَيْه ولا معقِّب لحُكْمه ، وذَكَر سبحانَهُ : ؛ أنَّ الغُفْران أو التَّعْذيب ، إنما هو بمشيئَتِهِ ، وبحَسَب السَّابق في علْمه ، ثم رجَّىٰ سبحانه في آخر ذلك ؛ تأْنيساً للنُّفُوس .