Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 168-172)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } ، { ٱلَّذِينَ } بدل من { ٱلَّذِينَ } المتقدِّم ، { لإِخْوٰنِهِمْ } ، أي : لأجْلِ إخوانهم ، أوْ في شأنِ إخوانهم المقتولِينَ ، ويحتمل أنْ يريد : لإخوانهم الأحياءِ مِنَ المُنَافِقِينَ ، ويكون الضميرُ في « أَطَاعُونَا » للمقتولين ، وقَعَدُوا : جملةٌ في موضِعِ الحالِ ، معترضةٌ أثْنَاءَ الكلامِ ، وقولهم : { لَوْ أَطَاعُونَا } ، يريدون : في ألاَّ يخرُجُوا ، وباقِي الآيةِ بَيِّن . ثم أخْبَرَ سبحانه عن الشهداءِ ؛ أنهم في الجنَّة أحياءٌ يرزقُونَ ، وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّه قال : " إنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ عَلَى الشُّهَدَاءِ ، فَيَقُولُ : يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ ، فَأَزِيدَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا ، لاَ فَوْقَ مَا أَعْطَيْتَنَا ، هَذِهِ الجَنَّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ نَشَاءُ ، لَكِنَّا نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنَا إلَى الدُّنْيَا ، فَنُقَاتِلَ فِي سَبِيلِكَ ، فَنُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَىٰ ، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ : « قَدْ سَبَقَ أَنَّكُمْ لاَ تُرَدُّونَ " ، والأحاديثُ في فَضْل الشُّهَداء كثيرةٌ . قال الفَخْر : والرواياتُ في هذا البابِ كأنَّها بلَغَتْ حدَّ التواتر ، ثم قَالَ : قال بعْضُ المفسِّرين : أرواحُ الشُّهَدَاءِ أحياءٌ ، وهي تركَعُ وتَسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ إلَىٰ يَوْمِ القِيامةِ . انتهى . والعقيدةُ أنَّ الأرواحَ كلَّها أحياء ، لا فرق بَيْن الشهداءِ وغيرهم في ذلك إلاَّ ما خَصَّص اللَّه به الشُّهداءَ مِنْ زيادَةِ المَزِيَّة والحياةِ الَّتِي ليْسَتْ بمكيَّفة ، وفي « صحيح مسْلِمٍ » ، عن مَسْرُوقٍ قال ، سَأَلْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ عن هذه الآية : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } ، فقال : أَمَّا أَنَا ، فَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ ، يَعْنِي النبيَّ صلى الله عليه وسلم : " أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقةٌ بِالعَرْشِ ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ، ثُمَّ تَأْوِي إلَىٰ تِلْكَ القَنَادِيلِ … " الحديثَ إلى آخره اهـــ . ومن الآثار الصحيحةِ الدالَّة علَىٰ فَضْلِ الشُّهداءِ ما رواه مالكٌ في « الموطَّأ » ؛ أنه بلَغَهُ أنَّ عمرو بْنَ الجَمُوحِ ، وعبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الأنصارِيَّيْنِ ثُمَّ السُّلَمِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قبرهما ، وكان قَبْرُهما ممَّا يَلِي السَّيْلَ ، وكانا في قَبْرٍ واحدٍ ، وهما مِمَّن ٱستشهد يَوْمَ أُحُدٍ ، فحفر عنهما ليغيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا ، فَوُجِدَا لم يُغَيَّرا ، كأنما ماتا بالأمْسِ ، وكان أحدُهُما قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَىٰ جُرْحِهِ ، فَدُفِنَ ، وهو كذلك ، فَأُمِيطَتْ يده عَنْ جُرْحِهِ ، ثم أرْسِلَتْ ، فَرَجَعَتْ ، كما كانَتْ ، وكان بَيْنَ أُحُدٍ ، وبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وأربعون سنَةً ، قال أبو عمر في « التمهيد » : حديثُ مالكٍ هذا يتَّصلُ من وجوهٍ صحاحٍ بمعنى واحدٍ متقاربٍ ، وعبد اللَّه بن عمرو هذا هو والدُ جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ ، وعَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ هو ابنُ عَمِّه ، ثم أسند أبو عمر ، عن جابرِ بنِ عبْدِ اللَّهِ ، قال : لما أراد معاويةُ أنْ يُجْرِيَ العَيْنَ بأُحُدٍ ، نُودِيَ بالمدينةِ : مَنْ كان له قتيلٌ ، فليأت قتيله ، قال جابرٌ : فأتيناهم ، فأخرجْنَاهم رطَاباً يَتَثَنَّوْنَ ، فأصابَتِ المِسْحَاةُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَٱنفطرَتْ دَماً ، قال أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ : « لاَ يُنْكِرُ بَعْدَ هَذَا مُنْكَرٌ أَبداً » وفي رواية : « فٱستخرجَهُم ـــ يعني : معاويةَ ـــ ، بعد سِتٍّ وأربعين سنَةً لَيِّنَةً أجسادُهم ، تتثنَّىٰ أطرافهم » ، قال أبو عمر : الذي أصابَتِ المِسْحَاةُ أصبُعَهُ هو حمزةُ ( رضي اللَّه عنه ) . ثم أسند عَنْ جابِرٍ قال : رأَيْتُ الشهداءَ يَخْرجُونَ علَىٰ رِقَابِ الرجَالِ ؛ كأنهم رجَالٌ نُوَّمٌ ؛ حتَّىٰ إذا أَصَابَتِ المِسْحَاةُ قَدَمَ حمزةَ ( رضي اللَّه عنه ) : « فٱنثعبَتْ دَماً » انتهى . وقوله سبحانه : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم … } الآية : معناه : يُسَرُّونَ ، ويَفْرَحُونَ ، وذهَبَ قتادة وغيره إلى أنَّ ٱستبشارَهُمْ هو أنهم يقولُونَ : إخواننا الذين تركْنَاهم خَلْفَنَا في الدنيا يُقَاتِلُونَ في سَبيل اللَّه مع نبيِّهم ، فيستشهدُونَ ، فينالُونَ مِنَ الكرامَةِ مِثْلَ ما نِلْنَا نَحْنُ ، فيسرُّون لهم بذلك ؛ إذْ يحصُلُونَ لا خَوْفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُونَ ، وذهب فريقٌ من العلماءِ إلى أَنَّ الإشارة في قوله : { بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ } ، إلى جميع المؤمنين الَّذِينَ لم يلحقوا بهم في فَضْل الشهادة ؛ وذَلك لِمَا عايَنُوا من ثوابِ اللَّهِ ، فهم فَرِحُونَ لأنفسهم بما آتاهم اللَّه مِنْ فضله ، ومُسْتَبْشِرُون للمؤمنين أنَّهم لا خَوْفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنُونَ ؛ ثم أكَّد سبحانه ٱستبشارَهُمْ بقوله : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ } ، ثم بيَّن سبحانه بقوله : { وَفَضْلٍ } ، أنَّ إدخالَهُ إياهم الجَنَّةَ هو بفَضْل مِنْه ، لا بعملِ أَحَدٍ ، وأمَّا النعمة في الجَنَّة ، والدَّرجاتُ ، فقد أخبر أنَّها علَىٰ قَدْر الأعمال . قُلْتُ : وخرَّج أبو عبد اللَّهِ الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ حَرْبٍ صَاحِبُ ٱبْنِ المبارَكِ في « رقائقه » ، بسنده ، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العَاصِي ؛ " أنَّ الشُّهداءَ فِي قِبابٍ مِنْ حَرِيرٍ فِي رِياضٍ خُضْرٍ ، عِنْدَهُمْ حُوتٌ وَثَوْرٌ ، يَظَلُّ الحُوتُ يُسَبِّحُ فِى أَنْهَارِ الجَنَّةِ يَأْكُلُ مِنْ كُلِّ رائِحَةٍ فِي أَنْهَارِ الجَنَّةِ ، فَإذَا أَمْسَىٰ وَكَزَهُ الثَّوْرُ بقَرْنِهِ ، فَيُذْكِيهِ ، فَيَأْكُلُونَ لَحْمَهُ ، يَجِدُونَ فِي لَحْمِهِ طَعْمَ كُلِّ رَائِحَةٍ ، وَيَبِيتُ الثَّوْرُ فِي أَفْنَاءِ الجَنَّةِ ، فَإذَا أَصْبَحَ ، غَدَا عَلَيْهِ الحُوتُ ، فَوَكَزَهُ بِذَنَبِهِ ، فَيُذْكِيهِ ، فَيَأْكُلُونَ ، فَيَجِدُونَ فِي لَحْمِهِ طَعْمَ كُلِّ رَائِحَةٍ فِي الجَنَّةِ ، ثُمَّ يَعُودُونَ ، وَيَنْظُرُونَ إلَىٰ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الجَنَّةِ ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ … " الحديثَ . انتهى . مختصرًا ، وقد ذكره صاحب « التذكرة » مطوَّلاً . وقرأ الكِسَائِيُّ : « وَإنَّ اللَّهَ » ؛ بكسر الهمزة ؛ على استئناف الإخبار ، وقرأ باقي السبعة بالفتْحِ علَىٰ أنَّ ذلك داخلٌ فيما يُسْتبشر به ، وقوله : { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ } يحتملُ أنْ يكون صفَةً للمؤمنين ؛ علَىٰ قراءة مَنْ كَسَر الألف من « إنَّ » ، والأظهر أنَّ الذين ابتداءٌ ، وخبره في قوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ … } ، والمستجيبُونَ للَّه والرسولِ : هم الذين خرَجُوا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى حَمْرَاءِ الأَسَدِ في طَلَبِ قُرَيْش .