Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 179-180)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ } ، أيْ : ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين ، مُشْكِلاً أمرَهُم ؛ حتى يميز بعْضَهُم مِنْ بعض ؛ بما يظهره مِنْ هؤلاء وهؤلاء في « أُحُدٍ » من الأفعال والأقوال ، هذا تفسيرُ مجاهد وغيره . وقوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } ، أي : في أمر أُحُدٍ ، وما كان من الهزيمة وأيضاً : فما كان اللَّه ليطلعكم على المنافقين تصريحاً وتسميةً لهم ، ولكنْ بقرائنِ أفعالهم وأقوالهم . قال الفَخْر : وذلك أنَّ سنة اللَّه جاريةٌ بأنَّه لا يُطْلِعُ عوامَّ الناس على غَيْبِهِ ، أي : لا سبيلَ لكم إلَىٰ معرفة ذلك الإمتياز إلاَّ بٱمتحاناتٍ ؛ كما تقدَّم ، فأمَّا معرفةُ ذلك علَىٰ سبيلِ الإطلاعِ مِنَ الغَيْبِ ، فهو من خواصِّ الأنبياء ، فلهذا قال تعالَىٰ : { وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ } . انتهى . وقال الزَّجَّاج وغيره : رُوِيَ أنَّ بعض الكُفَّار قال : لِمَ لا يكونُ جميعنا أنبياءَ ، فنَزَلَتْ هذه الآيةُ ، و { يَجْتَبِي } : معناه : يَخْتَارُ ويصْطَفِي ، وقوله سبحانه : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } الآية : قال السُّدِّيُّ وجماعةٌ من المتأوِّلين : الآية نزلَتْ في البُخْل بالمال ، والإنفاقِ في سبيل اللَّه ، وأداء الزكاة المفْرُوضَة ، وَنحْو ذلك ، قال : ومعنى : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ } هو الذي ورد في الحديثِ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال : " مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي ذَا رَحِمِهِ ، فَيَسْأَلَهُ مِنْ فَضْلٍ عِنْدَهُ ، فَيَبْخَلُ عَلَيْهِ إلاَّ أُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعٌ مِنَ النَّارِ يَتَلَمَّظُ ؛ حَتَّىٰ يُطَوَّقَه " ، قُلْتُ : وفي البخاريِّ وغيره ، عنه صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً ، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَأْخُذُ بلَهْزَمَتَيْهِ ، يَعْنِي : شِدْقَيهِ ، يَقُولُ : أَنَا مَالُكَ ، أَنَا كَنْزُكَ ، ثُمَّ تَلاَ هذه الآيةَ : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ … } " الآية . قلْتُ : واعلم أنه قد وردَتْ آثار صحيحةٌ بتعذيبِ العُصَاة بنَوْعٍ مَا عَصَوْا به ؛ كحديث : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَهُوَ يَجَأُ نَفْسَهُ بِحَدِيدَتِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَالَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ بِالسُّمِّ ، فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " ، ونحو ذلك . قال الغَزَّالِيُّ في « الجَوَاهِرِ » : وٱعلم أنَّ المعانِيَ في عالم الآخرة تستتبعُ الصُّور ، ولا تَتْبَعُها ، فيتمثَّل كلُّ شيء بصورة تُوَازِي معناه ، فيُحْشَرُ المتكبِّرون في صُوَرِ الذَّرِّ يَطَؤُهُمْ مَنْ أَقْبَل وأَدْبَر ، والمتواضِعُون أعزَّاء . انتهى ، وهو كلام صحيحٌ يشهد له صحيحُ الآثارِ ؛ ويؤيِّده النظَرُ والإعتبار ، اللَّهم ، وفِّقنا لما تحبُّه وترضاه . قال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » : قال عُلَماؤنا : البُخْل : مَنْعُ الواجبِ ، والشُّحُّ : منع المستحَبِّ ، والصحيحُ المختارُ أنَّ هذه الآيةَ في الزكاة الواجبَة ؛ لأنَّ هذا وعيدٌ لمانعيها ، والوعيدُ إذا ٱقْتَرَنَ بالفعْلِ المأمورِ به ، أو المنهيِّ عنه ، ٱقتضى الوجوبَ أو التحريمَ . انتهى . وتعميمها في جميع أنْواع الواجب أحْسَنُ . وقوله سبحانه : { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } خطابٌ علَىٰ ما يفهمه البشر ، دَالٌّ على فناء الجميعِ ، وأنه لا يبقَىٰ مَالِكٌ إلاَّ اللَّه سبحانه .