Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 26-29)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ … } الآية : هو سبحانه وتعالى مالكُ الملكِ كلِّه مطلقاً في جميع أنواعه ، وأشرفُ ملكٍ يؤتيه عباده سعادةُ الآخرة ، رُوِيَ أنَّ الآية نزلَتْ بسبب أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بشَّر أُمَّتَه ؛ بفتح مُلْك فارس وغيره ، فقالَتِ اليهودُ والمنافقُونَ : هَيْهَاتَ ، وكذَّبوا بذلك . ومذهب البصريِّين أن الأصل في « اللَّهُمَّ » : يَا أَللَّهُ ، فعوِّض من ياء النداءِ ميماً مشدَّدة . و { مَـٰلِكَ } : نصْبٌ على النداء ، وخص تعالى الخَيْر بالذكْر ، وهو تعالى بيده كلُّ شيء ؛ إِذ الآية في معنى دعاء ورغبة ، فكأنَّ المعنَىٰ : بِيَدِكَ الخَيْرُ فأجزِلْ حظِّي منه ، قال النوويُّ : ورُوِّينَا في كتاب « التِّرْمذيِّ » وغيره ، عن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب ( رضي اللَّه عنه ) ؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ دَخَلَ السُّوقَ ، فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه وَحْده لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الخَيْرُ ، وهو عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ــ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ " ، ورواه الحاكمُ أبو عبد اللَّه في « المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ » ؛ من طرق كثيرةٍ ، وزاد فيه في بعْضِ طرقه : " وَبَنَىٰ لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ " قال الحاكمُ : وفي البابِ ، عن جابرٍ ، وأبي هريرة ، وبُرَيْدَة الأسلميِّ . اهـ من « الحلية » . وقال ابن عبَّاس وغيره في معنَىٰ قوله تعالى : { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ … } الآية : إنه ما ينتقصُ من النهار ، فيزيد في الليل ، وما ينتقصُ من الليلِ ، فيزيدُ في النَّهار دَأَباً كلَّ فَصْلٍ من السنة ، وتحتملُ ألفاظُ الآية أنْ يدخل فيها تعاقُبُ الليلِ والنهارِ ؛ كأن زوالَ أحدهما وُلُوجٌ في الآخر . واختلف في معنَىٰ قوله تعالى : { وَتُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ … } الآيةَ : فقال الحسَنُ : معناهُ : يُخْرِجُ المؤمِنَ من الكافر ، والكافِرَ من المؤمن ، وروي نحْوَه ، عن سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ ، وروى الزُّهْرِيُّ ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، لمَّا سَمِعَ نَغْمَةَ خَالِدَةَ بِنْتِ الأَسْوَدِ ابْنِ عَبْدِ يَغُوثَ ، فَقَالَ : " مَنْ هَذِهِ " فأُخْبِرَ بِهَا ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " سُبْحَانَ الَّذِي يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ " ، وكَانَتِ ٱمْرَأَةً صَالِحَةً ، وكَانَ أَبُوهَا كَافِراً ، والمرادُ علَىٰ هذا : موتُ قلبِ الكافرِ ، وحياةُ قَلْب المؤمن . وذهب جمهورٌ كثيرٌ إِلى أنَّ الحياة والمَوْتَ في الآية حقيقةٌ ، لا أنها استعارةٌ ، ثم اختلفوا في المُثُلِ التي فسَّروا بها . فقال ابن مسعود : هي النُّطْفة ، تخْرُج من الرجُلِ ، وهي ميتة ، وهو حيٌّ ، ويخرج الرجلُ منْها ، وهي ميتة . وقال عكرمة : هو إِخراج الدَّجَاجة ، وهي حية ، مِن البَيْضَة ، وهي ميتة ، وإِخراج البيضة ، وهي ميتة من الدَّجَاجة ، وهي حية . وروى السُّدِّيُّ ، عن أبي مالكٍ ، قال : هي الحبَّة تَخْرُجُ من السنبلةِ ، والسنبلةُ تخرجُ من الحبَّة ، وكذلك النَّوَاة . وقوله تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاءَ … } الآية : هذا النهْيُ عن الاِتخاذِ ، إِنما هو عن إِظهار اللُّطْفِ للكفَّار ، والميلِ إِليهم ، فأما أنْ يتخذوا بالقَلْب ، فلا يفعل ذلك مؤمن ، ولفظ الآية عامٌّ في جميع الأعصار . واختلف في سَبَب نزولها ، فقال ابنُ عَبَّاس في كَعْبِ بْنِ الأَشْرَف وغيره ، قد بطنوا بنَفَرٍ من الأنصار ، ليفتنُوهم عن دِينِهِمْ ، فنزلَتْ في ذلك الآيةُ ، وقال قومٌ : نزلَتْ في قصَّة حاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وكتابِه إلى أهْل مكَّة ، والآيةُ عامَّة في جميع هذا . وقوله تعالى : { فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ } : معناه : في شيءٍ : مَرْضِيٍّ ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ غَشَّنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا " ، ثم أباح سبحانه إِظهار ٱتخاذهِمْ بشرط الاِتقاءِ ، فأما إِبطانه ، فلا يصحُّ أن يتصف به مؤمنٌ في حالٍ . وقوله تعالى : { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ … } إلى آخر الآية : وعيدٌ وتنبيهٌ ووعظٌ وتذكيرٌ بالآخرة . وقوله : { نَفْسَهُ } : نائبةٌ عن « إيَّاهُ » ، وهذه مخاطبةٌ علَىٰ معهود ما يفهمه البشَرُ ، والنَّفْسُ في مثْلِ هذا راجعٌ إِلى الذاتِ ، وفي الكلامِ حذْفُ مضافٍ ؛ لأن التحذير إِنما هو من عقابٍ وتنكيلٍ ونحوه ، قال ابنُ عَبَّاس ، والحسن : ويحذِّركم اللَّه عقابه . وقوله تعالى : { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ … } الآية : الضميرُ في « تُخْفُوا » هو للمؤمنين الذين نُهُوا عن الكافرين ، والمعنَىٰ : إِنكم إِن أبطنتم الحرْصَ على إِظهار موالاتهم ، فإِن اللَّه يعلم ذلك ، وَيَكْرَهُهُ منكم .