Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 30-32)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } ، قال ابنُ هِشَامٍ في « المُغْنِي » : « يَوْم » : نصْبٌ بمحذوفٍ ، تقديره : اذكُروا أو ٱحذروا ، ولا يصحُّ أنْ يكون ظرفًا لـــ « يحذِّركم » ؛ كما زعم بعضُهم ؛ لأن التحذير في الدنيا وَقعَ لا في الآخرة . اهـ . وقوله تعالى : { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ } ، يحتمل أنْ تكون « مَا » معطوفةً على « مَا » الأولى ، فهي في موضعِ نَصْب ، ويكون « تَوَدُّ » في موضعِ الحالِ ، وإِليه ذهب الطبريُّ وغيره ، ويحتملُ أنْ تكون « مَا » رُفِعَ بالاِبتدَاء ، والخبر في قوله : « تَوَدُّ » . وما بعده ، والأَمَدُ : الغايةُ المحْدُودة من المكانِ أو الزَّمَان . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } يحتمل أنْ يكون إشارةً إِلى أنَّ تحذيره رأْفَةٌ منه سبحانه بعباده ، ويحتملُ أنْ يكونَ ٱبتداءَ إِعلام بهذه الصفَةِ ، فمقتضَىٰ ذلك : التأنيسُ ؛ لئلا يفرطَ الوعيدُ علَىٰ نَفْس مؤمن ، فسبحانه مَا أرحمه بعبادهٰ . وعن مَنْصُورِ بْنِ عَمَّار ؛ أنه قال : أعقلُ النَّاس مُحْسِنٌ خَائِفٌ ، وأجْهَلُ النَّاسِ مُسِيءٌ آمنٌ ، فلما سمع عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَان منْه هذا الكلامَ ؛ بكَىٰ حتَّىٰ بَلَّ ثيابه ، ثم قال له : ٱتْلُ عَلَيَّ ، يا مَنْصُورُ ، شَيْئاً منْ كتابِ اللَّهِ ، فتلا عليه : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً … } الآيَةَ ، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ : قَتَلْتَنِي ، يَا مَنْصُورُ ، ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ . اهـ . وقوله تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي … } الآية : قال الشيخُ العارفُ باللَّه ابْنُ أبي جَمْرَةَ ( رضي اللَّه عنه ) : مِنْ علامةِ السعادةِ للشخْصِ : أنْ يكون مُعْتَنِياً بمعرفة السُّنَّة في جميعِ تصرُّفاته ، والذي يكونُ كذلك هو دائمٌ في عبادة ؛ في كلِّ حركاته وسكناته ، وهذا هو طريق أهل الفَضْلِ ؛ حتَّىٰ حُكِيَ عن بعضهم ؛ أنه لم يأكُلِ البطِّيخَ سنين ؛ لَمَّا لَمْ يبلُغْه كيفيَّةُ السُّنَّة في أَكْله ، وكيف لاَ ، واللَّه سبحانه يَقُولُ : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } والاِتباعية الكاملةُ إِنما تصحُّ بأنْ تكون عامَّة في كلِّ الأشياء ، يعني : إِلا ما خصَّصه به الدليلُ ، جعلنا اللَّه من أهْلها في الدَّارَيْن . انتهى . قال * ع * : قال الحَسَنُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ ، وابنُ جُرَيْج : إِنَّ قوماً على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّا نُحِبُّ رَبَّنَا ، فنزلَتْ هذه الآيةُ ، وقيل : أمر صلى الله عليه وسلم أنْ يقولَ هذا القولَ لنصارَىٰ نَجْرَان . قال * ع * : ويحتملُ أنْ تكون الآيةُ عامَّة لأهل الكتاب اليهود والنصارَىٰ ؛ لأنهم كانوا يدَّعُون أنَّهم يحبُّون اللَّه ، ويحبهم . قال عِيَاضٌ : ٱعلَمْ أَنَّ مَنْ أَحبَّ شيئاً ، آثره ، وآثر موافقته ، وإِلا لم يكن صادقاً في حُبِّه ، وكان مدَّعياً ، فالصادقُ في حبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، مَنْ تظهر علاماتُ ذلك عليه ، وأولُها الاِقتداءُ به ، وٱتباعُ سنَّته ، وٱتباعُ أقوالِهِ وأفعالِهِ ، والتأدُّبُ بآدابه في عُسره ويُسْره ؛ قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي . … } الآية ، قال عِيَاضٌ : رُويَ في الحديثِ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " مَنِ ٱسْتَمْسَكَ بِحَدِيثِي ، وَفَهِمَهُ وَحَفِظَهُ ، جَاءَ مَعَ القُرْآنِ ، وَمَنْ تَهَاوَنَ بالقُرْآنِ ، وَحَدِيثِيَ ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ … " الحديثَ ، وعن أبي هريرةَ ( رضي اللَّه عنه ) ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " المُسْتَمْسِكُ بسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي ، لَهُ أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ " ، وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : " عليكُمْ بالسبيلِ والسُّنَّةِ ، فإِنه ما على الأرضِ مِنْ عَبْدٍ على السبيل والسُّنَّة ، ذَكَر اللَّه في نَفْسِهِ ، ففاضَتْ عيناه مِنْ خَشْية ربه ، فيعذِّبه اللَّه أبداً ، وما على الأرضِ مِنْ عبدٍ على السبيلِ والسُّنَّةِ ، ذَكَرَ اللَّه في نَفْسه ، فٱقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِنْ خَشْية اللَّه ، إلا كان مَثَلُهُ كَمَثَلِ شجرة ، قَدْ يَبِسَ ورَقُهَا ، فهي كَذَلِكَ ؛ إِذ أصابتها ريحٌ شديدةٌ فتحاتَّ عنها ورقُها إِلاَّ حَطَّ اللَّه عنه خَطَايَاهُ ؛ كما تَحَاتَّ عن الشجرة وَرَقُهَا " الحديث . قال عِيَاضٌ : ومن علامات محَبَّته صلى الله عليه وسلم : زُهْدُ مدَّعيها في الدُّنْيا ، وإِيثاره الفَقْر ، واتصافه فيه ؛ ففي حديثِ أبي سَعِيدٍ : " إِنَّ الفَقْرَ إِلَىٰ مَنْ يُحِبُّنِي مِنْكُمْ أَسْرَعُ مِنَ السَّيْلِ مِنْ أَعْلَى الوَادِي ، أَوِ الجَبَل إِلَىٰ أَسْفَلِهِ " ، وفي حديثِ عبدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ : " قال رجُلٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : « يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إٍنِّي أُحِبُّكَ ، فَقَالَ : ٱنْظُرْ مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ لأُحِبُّكَ » ؛ ثَلاَثَ مَرَّات ؛ قَالَ : « إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي ، فَأَعِدَّ لِلفَقْرِ تَجْفَافاً » " ، ثم ذكر نَحْوَ حديثِ أبِي سَعِيدٍ بمعناه اهـ من « الشِّفَا » . قال * ع * : والمحبَّةُ : إِرادةٌ يقترنُ بها إِقبالٌ من النَّفْس ومَيْلٌ بالمعتَقِدِ ، وقد تكونُ الإِرادة المجرَّدة فيما يكره المريدُ ، واللَّه تعالَىٰ يريدُ وقوع الكُفْر ، ولا يحبُّه ، ومحبَّة العَبْد للَّه تعالَىٰ يلزمُ عَنْها ، ولا بدَّ أنْ يطيعه ، ومحبَّةُ اللَّه تعالَىٰ أمارتُها للمتأمِّلِ أنْ يُرَى العَبْدُ مَهْدِيًّا مسدِّداً ذا قبولٍ في الأرض ، فَلُطْفُ اللَّهِ تعالَىٰ بالعَبْدِ ورحمته إِيَّاه هي ثمرةُ محبَّته ، وبهذا النظَر يفسَّر لفظُ المَحَبَّةِ ؛ حيثُ وقعَتْ من كتاب اللَّه عَزَّ وجَلَّ .