Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 12-13)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وَقَوْلُه تَعَالَى : { وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرِّيحَ } المَعْنَى : ولسليمانَ سخَّرْنَا الريح ، و { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } . قال قتادة : معناه : إنها كانت تُقْطَعُ بِه فِي الغُدُوِّ إلَى قُرْبِ الزَّوَالِ ؛ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَتَقْطَعُ فِي الرَّوَاحِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلى الغُرُوبِ ، مسيرةَ شَهْرٍ وَكَانَ سليمانُ إذَا أرادَ قَوْماً لَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى يُظِلَّهم في جَوِّ السَّمَاءِ . وقوله تعالى : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } : قَال ابن عباس ، وغيره : كانتْ تَسِيلُ لَهُ باليَمَنِ عَيْنٌ جَارِيَةٌ مِنْ نُحَاسٍ ؛ يُصْنَعُ لَهْ مِنْها جَمِيعُ مَا أَحَبَّ ، و { ٱلْقِطْرِ } : النُّحَاس ، و { يَزِغْ } : معناه : يَمِلْ ، أي : يَنْحَرِفُ عاصياً ، وقال : { عَنْ أَمْرِنَا } ولم يقل : « عن أرادتنا » لأَنَّهُ لاَ يَقَعُ في العالِم شَيءٌ يخالفُ إرَادتَهُ سُبْحَانه تعالى ويقعُ ما يخالفُ الأَمر ، وقوله : { مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } قيل : عذابُ الآخرة . وقيل : بَلْ كَانَ قَدْ وُكِّلَ بهِنْ مَلكٌ بيدِه سَوْطٌ مِن نَارٍ السَّعِيرِ ؛ فَمَنْ عَصَى ضَرَبَهُ فَأَحْرَقَهُ ، و « الْمَحَارِيبُ » : الأَبْنِيَةُ العَالِيَةُ الشَّرِيفَةُ ، قَالَ قَتَادَةُ : القصورُ والمسَاجِدُ والتَّمَاثِيلُ ، قِيلَ : كَانَتْ مِن زُجَاجٍ وَنُحَاسٍ تَمَاثِيلُ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِحَيَوانٍ ، « والجوابي » : جَمْعُ جَابِيةٍ وَهِي البِرْكَةُ التي يُجْبَى إلَيْهَا الماءُ و { رَّاسِيَـٰتٍ } مَعْنَاه : ثابتاتُ لِكِبَرهَا ، ليستْ مِمَّا يُنْقَلُ أو يُحْمَل ولا يَسْتَطِيعُ عَلَى عَمَلِهِ إلاَّ الجنُّ ، ثُمَّ أُمرُوا مَعَ هذهِ النعمِ بأَنْ يَعْمَلُوا بالطَّاعَاتِ ، و { شُكْراً } يُحْتَمَلُ نَصْبُه عَلى الحَالِ ، أوْ عَلَى جِهَةِ المَفْعُولِ ، أي : اعملوا عَمَلاً هو الشكرُ كَأَنَّ العِبَادَاتِ كُلَّها هِي نَفْسُ الشُّكْرِ ، وفي الحديث : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعَدَ المنبرَ فَتَلا هذه الآيةَ ، ثم قال : " ثَلاثٌ من أُوتِيهِنَّ فَقَدْ أُوتِي العَمَلَ شُكْراً : العدلُ في الرضَا والغَضَبِ ، والقَصْدُ فِي الفَقْرِ والغِنَى ، وخَشْيَةُ اللّهِ فِي السِّرِّ والعَلانِيَة " ، وَهَكَذَا نَقَلَ ابنُ العَرَبِيِّ هَذَا الحَدِيثَ فِي « أحْكَامِهِ » وَعِبَارَةُ الدَّاوُوديِّ : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ : { ٱعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً } ، وَقَالَ : " ثَلاَثٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ : العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَالقَصْدُ فِي الفَقْرُ وَالغِنىٰ ، وذِكْرُ اللّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالعَلاَنِيَةِ " قَال القُرْطُبِي الشُّكْرُ تَقْوَى اللّهِ وَالعَمَلُ بِطَاعَتِهِ انتهى . قالَ ثابتٌ : رُوِيَ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ قَدْ جَزَّأَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهِ ؛ فَلَمْ تَكُنْ تَأْتِي سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ ؛ إلاَّ وَإنْسَانٌ مِنْ آل دَاودَ قَائِمٌ يُصَلِّي ؛ يَتَنَاوَبُونَ دَائِماً ، وَكانَ سُلَيْمَانُ ـــ عَلَيْهِ السَّلاَم ـــ فيما رُوِيَ ـــ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَيُطْعِمُ أَهْلَه الخُشْكَارَ ، ويُطْعِمُ المسَاكِينَ الدَّرْمَكَ ، وَرُوِيَ أَنَّه مَا شبِعَ قَطٍّ ، فقيلَ له في ذلك ؛ فقال : أخَافُ إنْ شَبِعْتُ أَنْ أنْسَى الجِياعَ . وقَولُه تَعَالى : { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } يُحْتَمَلُ : أنْ تَكونَ مخَاطَبَةً لآلِ دَاوُدَ ، ويحتمل : أنْ تكونَ مخاطبةً لنبيِّنَا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى كُلٍّ وَجْهٍ ؛ فَفِيهَا تَحْرِيضٌ وَتَنْبِيهٌ ، قال ابنُ عَطَاءِ اللّهِ فِي « الحِكَم » : مَنْ لَمْ يَشْكُر النعمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِها ، وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِها . وقَالَ صَاحِبُ « الكَلِمِ الفَارِقية » : لاَ تَغْفَلْ عَنْ شُكْرِ الصَّنَائِعِ ؛ وَسُرْعَةِ ٱسْتِرْجَاعِ الوَدَائِعِ ، وَقَالَ أيْضاً : يَا مَيِّتاً نُشِرَ مِنْ قَبْرِ العَدَمْ ، بحُكْمِ الجُودِ والكَرَمِ ، لاَ تَنْسَ سَوَالِفَ العُهُودِ والذِّمَمِ ، اذكُرْ عَهْدَ الإيجَادِ ، وَذِمَّةَ الإحْسَانِ والإرْفَادِ ، وَحَالَ الإصْدَارِ والإيرَادِ ، وفاتحة المَبْدَإِ وَخَاتِمَةَ المَعَادِ ، وَقَالَ : ـــ رحمه اللّه ـــ : يَا دَائِمَ الغَفْلَةِ عَنْ عَظَمَةِ رَبِّه ، أيْن النَّظَرُ فِي عَجَائِبِ صُنْعِه ، والتَّفَكُّرُ فِي غَرَائِبِ حِكْمَتِهِ ، أيْنَ شُكْرُ مَا أَفَاضَ عَلَيْكَ مِنْ مَلاَبِسِ إحْسَانِه ونِعَمِهِ ، يَا ذَا الفِطْنَةِ ، اغْتَنِمْ نِعْمَةَ المُهْلَة ، وَفُرْصَةَ المُكْنَةِ ، وَخِلْسَةَ السَّلاَمَةِ ، قَبْلَ حُلُولِ الحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ . انتهى .