Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 14-14)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقَوْلُه تعالى : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ … } الآيةَ . رُوِيَ عَن ابن عبَّاسٍ وَابنِ مَسْعُودٍ فِي قَصَصِ هذهِ الآيةِ كَلاَمٌ طَوِيلٌ ، حَاصِلُه : أنَّ سُلَيمَانَ عليه السلامُ لَمَّا أحَسَّ بِقُرْبِ أجَلهِ ؛ اجْتَهَدَ ـــ عليه السلامُ ـــ وجَدَّ فِي العِبَادَةِ ؛ وَجَاءَهُ مَلَكُ المَوْتِ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ أُمِرَ بِقَبْضِ رُوحِهِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ له إلاَّ مُدَّةٌ يَسِيرَة . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ سُلَيْمَانُ عند ذلك : اللَّهُمَّ ، عَمِّ عَلَى الْجِنِّ مَوْتِي ؛ حَتَّىٰ يعلم الإِنْسُ أَنَّ الجِنَّ لا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ , وكَانَتِ الجِنُّ تُخْبِرُ الإِنْسَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مِن الغَيْبِ أَشياءَ ، وأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا فِي غَدٍ ، وَلَمَّا أَعْلَمَهُ مَلَكُ المَوْتِ بِقُرْبِ الأَجَلِ ؛ أَمَرَ حِينَئِذٍ الْجِنَّ ، فَصَنَعَتْ لَهُ قُبَّةً مِنْ زُجَاجٍ تَشِفُّ ؛ وَدَخَلَ فِيهَا يَتَعَبَّدُ ؛ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا بَاباً ، وَتَوَكَّأَ عَلَىٰ عَصَاهُ عَلَى وَضْعٍ يَتَمَاسَكُ مَعَهُ . وَإنْ مَاتَ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ ـــ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـــ عَلَىٰ تِلْكَ الحَالَةِ ، فَلَمَّا مَضَىٰ لِمَوْتِهِ سَنَةً ، خَرَّ عَنْ عَصَاهُ ، وَالْعَصَا قَدْ أَكَلَتْهَا الأَرْضَةُ ؛ وَهِيَ الدُّودَةُ الَّتِي تَأْكُلُ العُودَ ؛ فَرَأَتِ الجِنُّ ٱنْخِرَارَهُ فَتَوَهَّمَتْ مَوْتَهُ ؛ « والمِنْسَأَة » : العَصَا ، وَقَرأ الجمهور : { تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ } بِإسْنَادِ الفعلِ إلَيْها ، أي : بَانَ أَمْرُهَا ، كَأَنَّهُ قال : افْتُضِحَتِ الجِنّ ، أي : للإِنْسِ ، هذا تَأَوِيلٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَولُه : { تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ } بِمَعْنَى : عَلِمَتِ الجِنُّ وَتَحَقَّقَتْ ، وَيُرِيدُ بِالجِنِّ : جُمْهُورَهُمْ ؛ والخَدَمَةَ مِنْهُمْ ، ويُرِيدُ بالضَّمِيرِ فِي { كَانُوا } : رُؤَسَاءَهُمْ وَكِبَارَهُمْ لأَنَّهُمْ هُمُ الذينَ يَدَّعُونَ عِلْمَ الغَيْبِ لأَتْبَاعِهِم من الجِنِّ والإنسِ . وَقَرَأَ يَعْقُوبُ : « تبينت الجن » عَلَى بِنَاءِ الفعلِ للمَفْعُولِ ، أي : تبيَّنَهَا الناسُ ، و { ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } : ما هم فيه من الخِدْمَةِ والتَسْخِيرِ وغير ذلك ، والمعنى : أنَّ الجِنَّ لَوْ كَانَتْ تَعْلَم الغَيْبَ لَمَا خَفِي عَلَيْهَا مَوْتُ سُلَيْمَانَ ؛ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهَا بِدَوَامِها فِي الخِدْمَةِ الصَّعْبَةِ ، وَهُوَ مَيِّتٌ فـ { ٱلْمُهِينِ } المُذِلُّ ، مِن الهَوَانِ ، وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ : أنَّ الشياطينَ قَالَتْ لِلأَرْضَةِ : لَوْ كُنْتِ تَأْكُلِينَ الطَّعَامَ لأَتَيْنَاكِ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ ، ولَكِنَّا سَنَنْقُلُ إلَيكِ الماءَ والطِّين ؛ فَهُمْ يَنْقُلُونَ إلَيها ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ شُكْراً لَهَا انتهى .