Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 15-17)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقولُه تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ … } الآية ، هذا مَثَلٌ لقريشٍ بِقَوْمٍ أنْعَمَ اللّه عَليهمْ فَلَمْ يَشْكُروا ؛ فَانْتَقَمَ مِنْهُم ، أي : فأنتم أيُّها القَوْمُ مِثْلُهم ، و « سبأ » هُنا يراد بهِ القَبِيلُ ، واخْتُلِفَ : لِمَ سُمِّي القَبِيلُ بِذلك فَقَالَت فِرْقَةٌ : هُو اسْمُ امْرَأةٍ . وقِيلَ : اسْمُ مَوْضِعٍ سُمِّيَ بِهِ القَبِيلُ ، وقَالَ الجُمْهُورُ : هُوَ اسْمُ رَجُلٍ ، هُو أَبُو القَبِيلُ ، كُلِّه ، وفِيهِ حَدِيثُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ المتقدّمُ في « سُورة النَّمْلِ » ؛ خَرَّجَهُ التِّرْمِذيُّ ، و { ءَايَةٌ } : معناه : عِبْرَةٌ وَعَلاَمَةٌ عَلَى فَضْلِ اللّهِ وقُدْرَتِه ، و { جَنَّتَانِ } : مبتدَأٌ وَخَبَرُه : { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } ، أو خَبَرَ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيره : هي جنتان ، وقيل : { جَنَّتَانِ } بَدَلٌ مِن { ءَايَةٌ } وَضُعِّفَ ، ورُوِي فِي قُصَصِهِمْ أَنَّهُ كَانَ فِي نَاحِيَةِ اليَمَنِ وَادٍ عَظِيمٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، وَكَانَتْ جَنَبَتَا الوادِي فَوَاكِهَ وزُرُوعاً ، وكان قد بُنِيَ فِي رَأْسِ الوادِي عِنْدَ أَوَّلِ الجَبَلَينِ ؛ جِسْرٌ عَظِيمٌ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ الجَبَلِ إلَى الجَبَلِ ، فَاحْتَبَسَ الماءُ فِيهِ ، وصَارَ بُحَيْرَةً عَظِيمَةً ، وَأُخِذَ المَاءُ من جَنَبَتَيْهَا فَمَشَى مُرْتَفِعاً يَسْقِى جَنَّاتٍ كَثِيرَةٍ جَنَبتَي الوادِي ، قِيلَ : بَنَتْهُ بلقيس ، وَقِيلَ بَنَاهُ حِمْيَرُ أَبُو القَبَائِلِ اليَمَانِيَّةِ كُلِّهَا ، وكانُوا بهذهِ الحالِ فِي أرْغَدِ عَيْشِ ، وَكَانَتْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ قُرٍى ظَاهِرَةٌ مُتَّصِلَة من اليَمَنِ إلَى الشَّامِ ، وَكَانُو أَرْبَابَ تِلْكَ البِلاَدِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ . * ت * : وَقَوْلُ * ع * : « وَكَانَ قَدْ بُنِيَ فِي رَأْسِ الوَادِي عِنْدَ أَوَّلِ الجبلين » صوابُه : وَكَانَ قَدْ بُنِيَ فِي أَسْفَلِ الوَادِي عِنْدَ آخِرِ الجَبَلَينِ ، و { كُلُوا } : فيه حذفٌ مَعْنَاهُ : قيل لَهُم : كُلُوا ، و { طَيِّبَةٌ } معناه : كريمةُ التُّربةِ حَسَنةُ الهَواءِ ، ورُوِيَ أَنَّ هذهِ المقَالة ؛ مِن الأَمْرِ بالأَكْلِ وَالشُّكْرِ وَالتَّوْقِيفِ عَلى طِيبِ البَلْدَةِ وغُفْرَانِ الرَّبِّ مَعَ الإيمَانِ بِهِ ؛ هي من قول الأَنْبِياء لَهُمْ ، وبُعِثَ إليهم فِيمَا رُوِيَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ نَبِيّاً فَكَفَرُوا بِهِم وأَعْرَضُوا ؛ فَبَعَثَ اللّهُ عَلى ذَلِكَ السَّدِّ جُرْذاً أَعْمَى ؛ تَوالَدَ فِيه ؛ وَخَرَقَهُ شَيْئاً بَعْدَ شَيْءٍ ؛ فَانْخَرَقَ السَّدُّ وَفَاضَ المَاءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَجَنَّاتِهم فَغَرَّقَها ؛ وَأَهْلَكَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الفِرَارُ ، واخْتُلِفَ فِي { ٱلْعَرِمِ } . فَقَالَ المُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ وَأَبُو مَيْسَرَةَ : هُوَ كُلُّ مَا بُنِي أَوْ سُنِّمَ لِيُمْسِك المَاءَ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيره : { ٱلعَرِم } : اسْمُ وَادِي ذَلِكَ المَاءِ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ السَّدُّ بُنِي لَهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضاً { ٱلْعَرِم } الشَّدِيدُ . قَالَ * ع * : فَكَأَنَّهُ صِفَةٌ لِلسَّيْلِ مِنْ العَرَامَةِ ، وَالإضَافَةُ إلَى الصِّفَةِ مُبَالَغَةٌ ؛ وَهِي كثيرةٌ فِي كَلام العَرَبِ ، وقِيل : { ٱلعَرِم } : صِفَةٌ للمَطَرِ الشديدِ الذي كانَ عَنْه ذَلِكَ السَّيْلُ . وقوله تعالى : { وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ } فيه تَجُوُّزٌ وَٱسْتِعَارَةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ البَدَلُ - مِنَ الخَمْطِ والأَثْلِ - لَمْ يَكُنْ جَنَّاتٍ ؛ لَكِنَّ هَذا كَمَا تَقُولُ لِمَنْ جَرَّدَ ثَوْباً جَيِّداً وَضَرَبَ ظَهْرَه : هَذا الضَّرْبُ ثَوْبٌ صَالِحُ لَكَ ؛ ونحو هذا ، و « الخَمْطِ » : شَجَرُ الأَرَاكِ ، قَالَه ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُه ، وقِيلَ : « الخَمْطُ » : كُلُّ شَجَرِ لَهُ شَوْكٌ وَثَمْرَتَهُ كَرِيهَةُ الطَّعْمِ بِمَرَارَةٍ أَو حُمُوضَةٍ أو نَحْوِه ، وَمِنْه تَخَمَّطَ اللَّبَنُ إذَا تَغَيَّرَ طُعْمُه و « الأَثْلُ » : ضَرْبٌ من الطَّرْفَاءِ ، هذا هو الصَّحِيحُ ، و « السدر » : معروفٌ وهُو لَه نَبْقٌ شَبَهُ العُنَّابِ لكنَّه دُونَه في الطَّعْمِ بِكَثِير ، وللخَمْطِ ثَمرٌ غَثُّ هُوَ البَرِيرُ ، وللأَثْلِ ثَمْرٌ قَلِيلُ الغَنَاءِ غَيْرُ حَسَنِ الطَّعْمِ ، وقرأ نافع وابن كثير : « أُكلٌ » : ـــ بِضَمِّ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الكَافِ ـــ ، والبَاقُونَ : ـــ بِضَمِّهِمَا ـــ وهُمَا بمعنى الجَنَى والثَّمْرَةِ ، ومِنْه : { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } [ سورة إبراهيم : 25 ] . أي : جناها ، وقرأ أبو عمرو : « أُكُلِ خُمْطٍ » بإضافةِ « أُكُل » إلى « خمط » . وقولُه تعالى : { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما أجْرَاهُ عَلَيْهِم . وقولُه : « وهل يجازى » ، أي : يناقَشُ ويُقَارَضُ بمثلِ فعلهِ قَدْراً بقَدْرٍ ، لأَنَّ جَزَاءَ المُؤْمِنِ إنَّما هُو بِتَفَضُّلٍ وَتَضْعِيفٍ ثَوَابٍ ، وَأَمَّا الَّذِي لاَ يُزَادِ وَلاَ يَنْقَضُ فَهُوَ الكَافِرُ ، وقَرَأْ حمزةُ والكسائي : « وهل نُجَازِي » ـــ بالنونِ وكَسْرِ الزَّايْ ـــ « الكفور » ـــ بالنصْبِ ـــ .