Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 18-19)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقولُه تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى … } الآية ، هذه الآيةُ وَمَا بَعْدَهَا وَصْفُ حالِهم قَبْلَ مَجِيء السَّيْلِ ، وَهِيَ أنَّ اللّهَ تَعَالَى مَعَ مَا كَانَ مَنَحَهُمْ مِنَ الجَنَّتَيْنِ والنِّعْمَةِ الخَاصَّةِ بِهِمْ ؛ كَانَ قَدْ أَصْلَحَ لَهُمْ البِلاَدَ المُتَّصِلَةَ ؛ وَعَمَّرَها وجَعَلَهُمْ أَرْبَابَها ؛ وقدَّرَ السَّيرَ بأنْ قَرَّبَ القُرَى بَعْضَها مِن بَعْضٍ ؛ حَتَّى كَانَ المسَافِر من مَأْرِبَ إلَى الشَّامِ يَبِيتُ فِي قَرْيَةٍ وَيقِيلُ فِي قَريَةٍ فَلاَ يُحْتَاجُ إلى حَمْلِ زَادٍ ، و { ٱلْقُرَى } : المُدُنُ ، والقُرَى التي بُورِكَ فِيها : هِي بِلادُ الشَّامِ بإجْماع المفسِّرِين ، والقُرَى الظَّاهِرَة : هِي الَّتِي بَيْنَ الشَّامِ وَمَأْرِبَ وهِي ٱسْمُ بَلَدِهِمْ . قال ابن عباس وغيره : هي قُرى عَرَبيَّةٌ بَيْنَ المدِينةِ والشَّام وٱخْتُلِفَ فِي مَعْنَى { ظَـٰهِرَةً } فَقَالَت فِرقَة : معناه : مُسْتَعْلِيَةٌ مُرْتَفِعَةٌ فِي الآكَامِ وَهِيَ أشْرَفُ القُرَى ، وَقَالَتْ فِرقَةُ : معناه : يَظْهَرُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْض ؛ فَهِي أبَداً فِي قَبْضَةِ عَيْنِ المُسَافِرِ ؛ لاَ يَخْلُو عَنْ رُؤْيَةِ شَيْءٍ مِنْهَا . قَال * ع * : والذي يَظْهرُ لي أَنَّ معنى { ظَـٰهِرَةً } خَارِجَةٌ عَنِ المُدنِ فَهِي عِبَارَة عَنِ القُرَى الصِّغَارِ الَّتِي هِي فِي ظَوَاهِرِ المُدُنِ ؛ واللّه أعلَم ، و { ءَامِنِينَ } ، أي : مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ والعَطَشِ وآفاتِ السَّفَرِ ، ثم حَكَى ـــ سُبْحانه ـــ عَنْهُمْ مقالةً قَالُوهَا عَلَى جِهَة البَطَرِ والأَشَرِ ؛ وهِيَ طَلَبُ البُعْدِ بَيْنَ الأَسْفَارِ كَأَنَّهُمْ مَلُّوا النِّعْمَةَ فِي القُرْبِ وَطَلَبُوا اسْتِبْدَالَ الَّذِي هُو أَدْنَى بالّذِي هُو خَيْرٌ ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَفَرَّقَ اللّه شَمْلَهُمْ وخَرَّبَ بِلادَهُمْ وجَعَلَهُمْ أَحَادِيثَ ؛ وَمِنِه المثَلُ السَّائِرُ « تَفَرَّقُوا أيادِي سَبَا وأيْدي سَبَا » يُقَالُ المَثَلُ بِالوَجْهَيْنِ ؛ وهَذَا هُو تَمْزِيقُهمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ؛ فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةُ قَبَائِلَ ، وَتَشَاءَمَتْ مِنْهُمْ أرْبَعَةٌ حَسْبَمَا فِي الحديثِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتَهُ عَلى جِهة التَنْبِيهِ ؛ بَأَنَّ هَذَا القَصَصَ فِيه آياتٌ وَعِبَرٌ مُؤُمِنٍ مُتَّصَفٍ بالصَّبْرِ والشُّكْرِ .