Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 20-24)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ … } الآية ، قَرَأَ نَافِعُ وأَبُو عمرِو وٱبْنُ عَامِرٍ : « ولقد صَدَقَ » بِتَخْفِيفِ الدَّالِ ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ والكسائيِّ : « صَدَّقَ » بِتَشْدِيدِها ؛ فالظَّن عَلى هذِهِ القِرَاءَةِ مَفْعُولُ « بَصدَّقَ » ومَعْنَى الآية : أَنَّ إبْلِيسَ ظَنَّ فِيهمْ ظَنّاً حَيْثُ قَالَ : { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } [ الأعراف : 17 ] . وغَيْرَ ذلك فَصَدَّقَ ظَنَّهُ فِيهمْ ؛ وأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ اتَّبَعُوهُ وهُو اتِّبَاعٌ فِي كُفْرٍ لأَنَّهُ فِي قِصَّة قَوْمٍ كُفَّارٍ . وقولُه : { مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } يَدُلّ عَلى ذَلكَ وَ « مِنْ » فِي قوله : { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لبيَانِ الجِنْسِ لاَ لِلتَّبْعِيضِ . وَقَوْلهُ : { ومَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَـٰنٍ } . أي : مِنْ حُجَّةٍ ، قال الحسنُ : واللّهِ مَا كَانَ لهُ سَيفٌ وَلاَ سَوْطٌ وَلَكِنَّهُ اسْتَمَالَهُمْ فَمَالُوا بِتَزْيِيْنِهِ . وقولُه تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } يريدُ : الأصْنَامَ والملائِكَةَ ؛ وذَلِكَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الملائِكَةَ ؛ وَهَذِهِ آيَةٌ تَعْجِيزٍ وَإقَامَةِ حُجَّةٍ ؛ ويُرْوَىٰ أَنَّ الآيةَ نَزَلَتْ عِنْدَ الجُوعِ الَّذِي أَصَابَت قُرَيشاً ، ثُمَّ جَاءَ بصِفة هؤلاَءِ الذين يَدْعُونهم آلِهَةً أنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ مُلْكَ اخْتِرَاعٍ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ؛ وأنَّهُمْ لاَ شِرْكَ لَهُمْ فِيهِمَا ، وهذَانِ نَوْعَا المُلْكِ : إمَّا اسْتِبْدَادٌ وَإمَّا مُشَارَكَةٌ ؛ فَنَفَى جَمِيعَ ذَلِكَ وَنَفَى أنْ يَكُونَ مِنْهُم لِلَّهِ تعالى مُعِينٌ فِي شَيْءٌ ، و « الظَّهِيرُ » : المُعينُ ، ثُمَّ قَرَّرَ فِي الآيةِ بَعْدُ أنَّ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يْشْعَفُونَ لَهُمْ عِنْدَ اللّهِ ؛ لاَ تَصِحُّ مِنْهُمْ شَفَاعَةٌ لَهُمْ إذْ هَؤلاءِ كَفَرَةٌ وَلاَ يأْذَنُ اللّهُ فِي الشَّفَاعَةِ فِي كَافِرٍ ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكسائي وأبُو عَمْرٍو و « أُذِنَ » ـــ بِضَمِّ الهَمْزَةِ ـــ . وقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ … } الآيةَ ، الضَّميرُ في { قُلُوبِهِمْ } عَائِدٌ عَلَى الملائِكَةِ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ آلِهَةً . قال * ع * : وَتَظَاهَرَتْ الأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَذِهِ الآية ـــ أَعْنِي قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ … } ـــ إنَّما هِي فِي المَلاَئِكَةِ ؛ إذَا سَمِعَتِ الوَحْيَ إلَى جِبْرِيلَ ، أو الأمْرَ يَأْمُرُ اللّهُ بِهِ سَمِعَتْ كَجَرِّ سِلْسِلَةِ الحَدِيدِ عَلى الصَّفْوَانِ ، فَتَفْزَعُ عِنْد ذَلِكَ تَعْظِيماً وَهَيْبَةً لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ وقِيل : خَوْفاً أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ؛ فَإذَا فَرَغَ ذَلِكَ ، فُزَّعَ عَنْ قُلُوبِهِم ، أي : أُطِيرَ الفَزَعُ عَنْهَا وَكُشِفَ ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَلِجِبْرِيلَ : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ فَيَقُولُ المَسْؤُولُونَ : قَالَ الْحَقَّ ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ . * ت * : وَلَفْظُ الحديثِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال : " إذَا قَضَى اللّهُ أَمْراً فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَاناً لِقَوْلِهِ : كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَىٰ صَفْوَانٍ ، فَإذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ، قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا الحَقَّ ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِير " انتهى . وَقَرَأَ الجُمْهُورُ « فُزع » ـــ بِضَمِّ الفَاءِ ـــ وَمَعْنَاهُ أُطِيرَ الفَزَعُ عَنْهُمْ وَقَوْلُهُمْ : { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } تَمْجِيدٌ وَتَحْمِيدٌ ، ثُمَّ أَمَرَ اللّهُ نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى جِهَةِ الاحْتِجَاجِ وَإقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلى الرَّازِقِ لَهُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ مَنْ هُوَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقْتَضِبَ الاحْتِجَاجِ بِأَنْ يَأَتِيَ بِجَوَابِ السُّؤَالِ ؛ إذْ هُمْ فَي بَهْتَةٍ وَوَجْمَةٍ مِنَ السُّؤالِ ؛ وإذ لاَ جَوَابَ لَهُمْ إلاَّ أَنْ يَقُولُوا : هُو اللّهُ ، وهذهِ السَّبِيلُ في كلِّ سُؤَالِ جَوَابَهُ فِي غَايةِ الوُضُوحِ ؛ لأَنَّ المُحْتَجَّ يُرِيدُ أنْ يَقْتَضِبَ وَيَتَجَاوَزَ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى بُورِدُها ، وَنَظَائِرُهَا فِي القُرْآنِ كَثِيرٌ . وقوله تعالى : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ } تلطفٌ فِي الدَّعْوَةِ والمُحَاوَرَةِ والمَعْنَى : كَمَا تقولُ لِمَنْ خَالَفَكَ فِي مَسْأَلَةِ أَحَدَنَا مُخْطِىء تَثَبَّتْ وَتَنَبَّهُ ؛ وَالمَفْهُومُ مِنْ كَلامِكَ أنّ مُخَالِفَكَ هُو المخطىء فَكَذلكَ هَذَا ، مَعْنَاهُ : وَإنا لَعَلَى هَدًى أو فِي ضَلالٍ مبِينٍ ؛ وَإنَّكُمْ لَعَلَى هَدًى أوْ فِي ضَلاَلِ مُبِينٍ ؛ فَتَنَبَّهُوا ، وَالمَقْصِدُ أَنَّ الضَّلاَلَ فِي حَيِّزِهِم ؛ وَحَذْفُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ لدَلاَلةِ البَاقِي عَلَيْهِ .