Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-27)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَـٰبَ ٱلقَرْيَةِ … } الآية ، رُوِي عَنْ ابن عباس والزهري وعكرمة : أن القريةَ هنا هي أنطاكيَّة ، واخْتُلِفَ في هؤلاء المُرْسَلِينَ ؛ فقال قتادة وغيره : كانوا من الحواريِّينَ الذين بعثهم عيسى حِين رُفِعَ ، وصُلِبَ الذي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ ، فَتَفَرَّقَ الحواريُّونَ في الآفاق ، فَقَصَّ اللَّه ـــ تعالى ـــ هنا قصَّةَ الذين نَهَضُوا إلى أنْطَاكيَّة . وقالت فرقة : بل هؤلاء أنبياءٌ مِن قِبَل اللَّهِ عزّ وجلّ . قال * ع * : وهذا يُرَجِّحُهُ قَوْلُ الكَفَرَةَ { مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } فإنها محاورةٌ إنما تقال لمن ادَّعى الرِّسَالَةَ من اللَّه تعالى ، والآخرُ مُحْتَمَلٌ ، وذَكِرَ المفسرون في قَصَص الآيةِ أشياء يَطُولُ ذِكْرُها والصِّحَّةُ فيها غَيْر مُتَيَقَّنَةٍ ، فَاخْتَصَرْتُه واللاَّزِمُ مِنَ الآيةِ أنَّ اللَّه تعالى بَعَثَ إلَيْهَا رَسُولَيْنِ ، فَدَعَيَا أهلَ القَرْيَةِ إلى عبادةِ اللَّهِ وتوحيدِه ، فَكَذَّبُوهُما فَشَدَّدَ اللَّهُ أمرهما بثالثٍ ، وقامت الحجةُ على أهلِ القريةِ ، وآمن منهم الرجلُ الذي جاءَ يسعى ، وقتلوه في آخر أمره وكفروا ، وأصابتْهم صيحةٌ مِن السَّمَاء فَخَمَدُوا ، وقرأ الجمهُور : « فَعَزَّزْنا » بِشَدِّ الزاي ، على معنى : قَوَّيْنَا . وشَدَّدْنَا ؛ وبهذا فسّره مجاهد وغيره ، وهذه الأمة أنكرت النبوَّاتِ بقولِها : { وَمَا أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَىْءٍ } قال بعضُ المتأولين : لما كَذَّبَ أهْلُ القرية المرسلينَ أسرع فيهم الجُذَامُ . وقال مقاتل : احْتَبَسَ عنهم المطر ؛ فلذلك قالوا : { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } ، أي : تَشاءَمْنَا بكم ، والأظهر أن تَطَيُّرَ هؤلاءِ إنَّما كَانَ بِسَبَبٍ ما دخَلَ قَرْيَتَهُمْ من اخْتِلافِ كَلِمَتِهِمْ وافْتِتَان النَّاسِ . وقوله : { أَئِن ذُكِّرْتُم } جوابُه محذوف ، أي : تَطَيَّرْتُم ، قاله أبو حيان وغيره ، انتهى ، ـــ وقولهُم عليهم السلام ـــ ، { طَـٰئِرُكُم مَّعَكُمْ } ، معناه : حظُّكُمْ وَمَا صَارَ لَكُمْ من خير وشرٍّ مَعَكُمْ أي : من أَفْعَالِكم وَمِنْ تَكَسُّبَاتِكُمْ ، ليس هو من أجْلنا ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر : « أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ » بهمزتين ؛ الثانيةُ مكسورةٌ . وقَرأ نافعٌ وغيرُه بتسهيل الثانية ، وردِّها ياءً : « أَيِنْ ذُكِّرْتُمْ » . وأخبر تعالى عن حالِ رجلٍ جَاء من أقصى المدينةِ يَسْعَى ؛ سَمِعَ المرسلينَ وفَهِمَ عَن اللَّهِ تعالى ، فَدَعَا عَنْد ذلكَ قومَه إلى اتّباعِهم والإيمان بِهِم ، إذ هوَ الحقُّ . فَرُوِيَ عن ابن عباس وغيره ، أن اسْمَ هذا الرجلِ حبيبٌ ، وكان نَجَّاراً وكانَ فِيما قَال وهب بنُ مُنَبِّهٍ : قد تَجَذّم . وقيل : كَان فِي غارٍ يَعْبُدُ ربَّهُ فقال : { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ … } الآية ، وذكر الناسُ في أسماءِ الرسلِ : صَادِق ، وصَدُوقٌ ، وشَلُوم ، وغير هذا ، واللَّه أعلم بصحَّتِه ، واخْتَلَفَ المفسِّرونَ في قوله { فَٱسْمَعُونِ } فَقَال ابن عباس وغيره : خاطب بها قوْمُه ، أي : على جهة المبَالَغَةِ والتَّنْبِيهِ . وقيل : خَاطَبَ بها الرُّسُلَ على جهة الاسْتِشْهَادِ بهم والاستحْفاظِ للأمْر عندهم . قال * ع * : وهنا محذوفٌ تَواتَرَتْ به الأحادِيثُ والرِّوَاياتُ وهم أنهم قَتَلُوهُ فَقِيلَ له عند موته : { ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } فَلَما أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ بما رأَى من الكرَامَةِ قَالَ : { يٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ . … } الآية ، قيل : أراد بذلك الإشْفَاقَ والنصحَ لَهُمْ أي : لَو علِمُوا ذلك ، لآمنوا باللَّه تعالى ، وقيل : أراد أن يَعْلَمُوا ذلك فَيَنْدمُوا على فِعْلِهم به ، وبخزيهم ذلك ، وهذا موجود في جِبِلَّةِ البشر إذا نَال الشخصُ عزًّا وخَيْراً في أرض غُرْبةٍ وَدَّ أنْ يَعْلَم ذلك جِيرَانهُ وأتْرَابهُ الذينَ نَشَأَ فيهمْ ، كما قيل : [ السريع ] @ الْعِزُّ مَطْلُوبٌ وَمُلْتَمَس وَأَحَبُّهُ مَا نِيلَ في الوَطَنِ @@ قال * ع * : والتأويلُ الأولُ أشبهُ بهذا العبدِ الصالح ؛ وفي ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم : " نَصَحَ قَوْمَه حَيًّا وَمَيِّتاً " ؛ وقالَ قَتَادةُ : نصَحَهُم على حالة الغَضَبِ والرِّضَا وَكَذِلكَ لاَ تجِدُ المؤمِنَ إلا ناصحاً للناس .