Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 14-26)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً يَسْتَسْخِرُونَ } يريدُ بالآية : العلامةَ والدلالة ، ورُوِيَ أنَّها نزلتْ في رُكَانة وَهُوَ رَجُلٌ من المشركينَ مِن أهلِ مكةَ ؛ لقيَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جَبَلٍ خَالٍ وهُوَ يَرْعَىٰ غَنَماً له ؛ وكانَ أقْوَىٰ أهْلِ زَمانِه ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " يَا رُكَانَةُ ؛ أَرَأَيْتَ إنْ صَرَعْتُكَ ؛ أَتُؤْمِنُ بِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً " ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ دُعَاءِ شَجَرَةٍ وإقْبَالَهَا ، ونَحْوَ ذَلك مما اخْتَلَفَتْ فيه ألفاظُ الحديثِ ، فَلَمَّا فَرَغَ ذلكَ لَم يُؤْمِنْ ، وجاءَ إلى مَكَّةَ ، فَقَالَ : يَا بني هَاشِمٍ ، سَاخِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الأرضِ ، فنزلَتْ هذه الآية فيه وفي نُظَرَائِه ، و { يَسْتَسْخِرُونَ } قال مجاهد وقتادة : معناه : يَسْخَرُونَ ، ثم أمر تعالى نبيَّه أن يُجِيبَ تَقْرِيرَهُمْ وٱسْتِفْهامَهُمْ عَنِ البَعْثِ بـ { نِعْمَ } ، وأن يزيدَهُمْ في الجواب ، أنَّهُمْ معَ البعث في صَغَارٍ وذلَّةٍ واستكانةٍ ، والدَّاخِرُ : الصَّاغِرُ الذليلُ ، وقَدْ تَقَدَّمَ بيانهُ غيرَ ما مَرَّةٍ ، والزَّجْرَةُ الواحدةُ : هِيَ نَفْخَةُ البَعْثِ ، قال العِرَاقِيُّ : الزَّجْرَةُ : الصَّيْحَةُ بِٱنْتِهَارٍ ، انتهى . و { ٱلدِّينِ } : الجزاءُ ، وأجمَع المفسِّرُونَ على أن قولَه تعالى : { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } لَيْسَ هو من قولِ الكَفَرَةِ وإنما المعنى : يُقَالُ لهُم . وقوله : { وَأَزْوٰجُهُمْ } معناه : أنوَاعُهُم وضُرَباؤهم ؛ قاله عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وقتادة ، ومعهم { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } مِنْ آدَمِيٍّ رَضِيَ بذلكَ ، ومن صَنَمٍ وَوَثَنٍ ؛ توبيخاً لهم وإظهاراً لِسُوءِ حالهم ، وقال الحسنُ : { أَزْوٰجَهُِمْ } نساؤهم المشركاتُ : وقاله ابن عباس أيضاً . وقوله تعالى : { فَٱهْدُوهُمْ } معناه : قَدِّمُوهم واحملوهم على طريق الجحيم ، ثم يأمر اللَّهُ تعالى بوقوفهم ـــ على جِهَةِ التَّوْبِيخِ لهم ـــ والسؤال ، قال جمهور المفسرين : يُسْأَلُونَ عن أعمالهم ويُوقَفُونَ على قُبْحِها ، وقد تقدَّم قولهُ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ … " الحديثَ ، قال * ع * : ويَحْتَمِلُ عندي أنْ يكونَ المعنَىٰ علىٰ نحوِ ما فسَّره تعالَىٰ بقولهِ : { مَالَكُمْ لاَ تَنَـٰصَرُونَ } أي : إنهم مسؤلونَ عن امْتِنَاعِهم عن التَّنَاصُرِ ؛ وهذا علَىٰ جهة التَّوْبِيخِ ، وقرأ خلق « لا تَتَنَاصَرُونَ » . * ت * : قال عِيَاضٌ في « المدارك » : كان أبو إسْحَاقَ الجبنياني ظَاهِرَ الحُزْنِ ، كثيرَ الدَّمْعَةِ يَسْرُدُ الصِّيَامَ ، قال ولده أبو الطاهِر : قال لي أبي : إن إنساناً بقي في آية سنةً لَمْ يَتَجَاوَزْهَا ، وهِي قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } فقلتُ له : أَنْتَ هُوَ ؟ فَسَكَتَ ، فعلمتُ أَنَّه هو ، وكانَ إذا دَخَلَ في الصَّلاَةِ : لَوْ سَقَطَ البيتُ الذي هو فيه ، ما التَفَتَ ، إقبالاً علَىٰ صَلاَتِهِ ، وٱشْتِغَالاً بمناجَاة ربِّهِ ، وكانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَضْيِيقاً عَلَىٰ نَفْسِهِ ؛ ثم عَلى أَهْلِه ، وكان يأكلُ البَقْلَ البَرِّيَّ والجَرَادَ إذا وَجَدَهُ ويَطْحَنُ قُوتَهُ بِيَدِهِ شَعِيراً ، ثُم يَجْعَلُهُ بِنُخَالَتِهِ دَقِيقاً في قِدْرٍ مع مَا وَجَدَ مِنْ بَقْلٍ بَرِّيٍّ وَغيرِه ، حتَّىٰ إِنّه رُبَّما رَمَى بِشَيْءٍ مِنْهُ لِكَلْبٍ أَو هِرٍّ ؛ فَلا يَأْكُلُهُ ، وكانَ لِبَاسُهُ يَجْمَعُهُ مِنْ خِرَقِ المَزَابِلِ وَيُرَفِّعُهُ ، وَكَانَ يَتَوَطَّأُ الرَّمْلَ ، وَفي الشِّتَاءِ يَأْخُذُ قِفَافَ المَعَاصِرِ المُلْقَاةِ على المَزَابِلِ يجعلُها تَحْتَهُ ، قال وَلَدُهُ أبو الطَّاهِرِ : وكنَّا إذا بَقِينَا بلا شَيْءٍ نَقْتَاتُهُ ، كُنْتُ أَسْمَعُهُ في اللَّيْل يَقُولُ : [ البسيط ] @ مَالِي تِلاَدٌ ولاَ ٱسْتَطْرَفْتُ مِنْ نَشَب وَمَا أُؤمِّلُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ أَحَدٍ إنَّ الْقُنُوعَ بِحَمْدِ اللَّهِ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّعَرُّضِ للمَنَّانَةِ النَّكِدِ @@ انتهى .