Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 23-25)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { إِنَّ هَذَا أَخِى } [ إعرابُ « أخي » ] عَطْفُ بَيَانٍ ، وذلك أن مَا جَرَىٰ من هذه الأشياء صِفةً كالخَلْقِ والخُلُقِ وسَائِر الأوْصَافِ ، فَإنَّه نَعْتٌ مَحْضٌ ، والعاملُ فيه هو العاملُ في الموصوفِ ، وما كان مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ يُوصَفُ بهِ بَتَّةً ، فهو بَدَلٌ والعَامِلُ فيه مُكَرَّرٌ أي : تقديراً يقال : جَاءَنِي أخوك زيدٌ ، فالتقديرُ : جَاءَنِي أَخُوكَ ، جَاءَنِي زَيْدٌ ، ومَا كَان مِنْها مِمَّا لاَ يُوصَفُ بهِ ، وٱحْتِيجَ إلى أنْ يُبَيَّنَ بِه ، وَيَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ ، فَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ . « والنعجة » في هذه الآيةِ عَبَّرَ بِهَا عَنِ المَرْأَةِ ، والنعجةُ في كلام العرب : تقعُ على أنثَىٰ بَقَرِ الوَحْشِ ، وعَلَىٰ أُنْثَى الضَّأْنِ ، وتُعَبّرُ العَرَبُ بِهَا عن المَرْأَةِ . وقوله : { أَكْفِلْنِيهَا } أي : رُدَّهَا في كَفَالَتِي ، وقال ابنُ كَيْسَانَ : المعنى : ٱجْعَلْهَا كِفْلِي ، أي : نَصِيبي ، { وَعَزَّنِى } معناه : غَلَبَنِي ، ومنه قول العربِ : « مَنْ عَزَّ بَزَّ » أي : مَنْ غَلَبَ ، سَلَبَ ، ومَعْنَىٰ قوله : { فِى ٱلْخِطَابِ } أي : كان أوْجَهَ مِنِّي ، فإذَا خَاطَبْتُهُ ، كانَ كلامُه أقْوَىٰ من كلامي ، وقُوَّتُهُ أعْظَمَ مِنْ قُوَّتِي . ويُرْوَىٰ أنَّه لَمَّا قَالَ : { لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ } ، تَبَسّما عند ذلكَ ، وَذَهَبَا ، وَلَمْ يَرَهُما لحِينه ، فَشَعَرَ حينئذ للأمْرِ ، ويُرْوَىٰ أنَّهُمَا ذَهَبَا نَحْوَ السَّمَاءِ بِمَرْأًى مِنْه . و { ٱلْخُلَطَآءِ } : الشُّرَكَاءِ في الأمْلاَكِ ، والأُمُورِ ، وهذا القَوْلُ مِنْ دَاوُدَ وَعْظٌ لِقَاعِدَةِ حَقٍّ ، ليُحَذِّرَ الخَصْمَ مِنَ الوُقُوعِ في خلافِ الحقِّ . وقوله تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } : قال أبو حيان : { وَقَلِيلٌ } خبرٌ مقدَّم ، و « مَا » زائِدةٌ تُفِيدُ مَعْنَى التَّعْظِيمِ ، انتهى . وَرَوَى ابْنُ المبارَكِ في « رقائقه » بسندِه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أشَدُّ الأعْمَالِ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَىٰ كُلِّ حَالٍ ، والإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَمُوَاسَاةُ الأخِ في المالِ " انتهى . وقوله تعالى : { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ } معناه : شَعَر لِلأَمْرِ وَعَلِمَهُ ، و { فَتَنَّـٰهُ } أي : ابْتَلَيْنَاهُ وامْتَحَنَّاهُ ، وقال البخاريُّ : قال ابن عباس : { فَتَنَّـٰهُ } أي : اختَبَرْنَاهُ ، وأسْنَد البخاريُّ عن مجاهدٍ قال : سألتُ ابنَ عباسٍ عَنْ سَجْدَةِ « صۤ » أين تَسْجُدُ ، فَقَالَ : أَوَ مَا تَقْرَأَ { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ } [ الأنعام : 84 ] إلى قوله : { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] فَكَانَ داوُد مِمَّن أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أنْ يَقْتَدِيَ بهِ ، فَسَجَدَهَا دَاوُدُ ؛ فَسَجَدَهَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، انتهى ، فتأمَّلَهُ وما فيه مَنَ الْفِقْهِ ، وقَرأ أبو عمرٍو في رِوَاية علي بن نَصْرٍ : « فَتَنَاهُ » ـــ بتخفيفِ التاء والنون ـــ على إسنادِ الفعلِ للخَصْمَيْنِ ، أي : ٱمْتَحَنَاهُ عَنْ أَمْرِنَا ، قال أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ : « رأيتُنِي في النوم أكتُبُ سورَة « صۤ » فَلَما بَلَغْتُ قَوْلَهُ : { وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } سَجَدَ القلمُ ، ورَأيتُنِي في مَنامٍ آخَرَ ، وشَجَرَةٌ تَقْرَأُ سُورَةَ « صۤ » فلما بَلَغَتْ هَذَا ، سَجَدَتْ ، وَقَالَتْ : اللَّهُمَّ ، اكْتُبْ لِي بِهَا أجْراً ، وَحُطَّ عَنِّي بِهَا وِزْراً ، وٱرْزُقْنِي بِهَا شُكْراً ، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَها مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : وَسَجَدْتَ أنْتَ يَا أَبا سَعِيد ؟ قُلْتُ : لاَ ، قال : أَنْتَ كُنْتَ أَحَقَّ بالسَّجْدَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ، ثم تَلاَ نبيُّ اللَّهِ الآياتِ حتى بَلَغَ : { وَأَنَابَ } ، فَسَجَدَ ، وقَالَ كَمَا قَالَتِ الشَّجَرَةُ » . { وَأَنَابَ } مَعْنَاهُ : رَجَعَ ، * ت * : وحديثُ سجودِ الشجرةِ رواهُ الترمذيُّ وابن ماجَه والحاكمُ وابنُ حِبَّان في « صحيحَيْهما » ، وقال الحاكم : هو منْ شَرْطِ الصِّحَّةِ ، انتهى من « السلاح » . والزُّلْفَى : القُرْبَةُ والمكانةُ الرفيعةُ ، والمآبُ : المَرْجِعُ في الآخِرَةِ من آب يَئُوبُ : إذا رَجَعَ .