Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 29-33)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ ءَايَـٰتِهِ } قال الغَزَّالِيُّ في « الإحْيَاءِ » : اعْلَمْ أن القرآن مِنْ أَوَّلِه إلى آخِرِه تحذيرٌ وتخويفٌ لاَ يَتَفَكَّرُ فيه مُتَفَكِّرٌ إلا وَيَطُولُ حُزْنُهُ ، وَيَعْظُمُ خَوْفُه إنْ كَانَ مُؤْمِناً بِمَا فِيه وَتَرى النَّاسَ يَهْذُّونَهُ هَذًّا ، يُخْرِجُونَ الحُروفَ مِنْ مُخَارِجِها ، ويَتَنَاظَرُونَ عَلَىٰ خَفْضِها ورَفْعِها وَنَصْبِها ، لاَ يَهُمُّهُمْ الالتِفَاتُ إلى مَعانِيها والعملِ بما فِيها ، وَهَلْ في العِلم غُرُورٌ يَزِيدُ عَلَىٰ هذا ، انتهى من « كِتَابِ ذَمِّ الغُرُور » . واختلفَ المتأولونَ في قَصَصِ هذهِ الخيل المَعْرُوضَةِ عَلى سُلَيْمَانَ ـــ عَلَيْهِ السلامُ ـــ فقال الجُمْهُورُ : إنَّ سُلَيْمَانَ ـــ عَلَيْهِ السلام ـــ عُرِضَتْ عليه آلافٌ مِنَ الخَيْلِ تَرَكَهَا أَبُوهُ ، فأُجْرِيَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ عِشَاءً ، فَتَشَاغَلَ بجريها وَمَحَبَّتِهَا ، حَتَّىٰ فَاتَهُ وَقْتُ صَلاَةِ العَشِيِّ ، فَأَسِفَ لِذَلِكَ ؛ وَقَالَ : رُدُّوا عَلَيَّ الخَيْلَ ؛ فَطَفِقَ يَمْسَحُ سُوقَها وأعْنَاقَها بالسَّيْفِ ، قَالَ الثَّعْلَبيُّ وغيره ، وجَعَل يَنْحَرُهَا تَقَرُّباً إلَىٰ اللَّهِ تعالى ؛ حيثُ اشْتَغَل بِهَا عَنْ طَاعَتِهِ ، وكان ذلكَ مُبَاحاً لَهُمْ كما أُبِيحَ لَنا بهيمةُ الأنْعَامِ ، قال * ع * : فَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تعالَىٰ أَبْدَلَهُ مِنْهَا أَسْرَعَ منها ، وهي الرِّيحُ ، قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : و { ٱلْخَيْرُ } هنا هي الخيل ؛ وكذلكَ قَرأَها ابنُ مَسْعُود : « إنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْلِ » انتهى ، و « الصَّافِنُ » : الذي يَرْفَعُ إحْدَىٰ يديه ؛ وقَدْ يَفْعَلُ ذلكَ برِجْلِهِ ؛ وهي علامةُ الفَرَاهِيَة ؛ وأَنْشَدَ الزَّجَّاجُ : [ الكامل ] @ أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّه مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلاَثِ كَسِيرَا @@ قالَ بَعْضُ العلَماء : { ٱلْخَيْرِ } هنَا أرادَ به الخَيْلَ ، والعَرَبُ تُسَمي الخَيْلَ ، الخَيْرَ ، وفي مِصْحَفِ ابْن مَسْعُودٍ : « حُبَّ الخَيْلِ » باللامِ . والضميرُ في { تَوَارَتْ } للشمسِ ، وإن كَانَ لَمْ يَتَقَدَّم لَهَا ذِكْرٌ : لأنَّ المَعْنَىٰ يَقْتَضِيهَا ، وأيضاً فَذِكْرُ العَشِيِّ يَتَضَمَّنُهَا ، وقالَ بعضُ المفسرينَ { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } ، أَي : الخيلُ دَخَلَتْ إصْطَبْلاَتِهَا ، وقال ابنُ عبَّاسٍ والزُّهْرِيُّ : مَسْحُهُ بالسُّوقِ والأَعْنَاقِ لَمْ يَكُنْ بالسَّيْفِ ؛ بل بيدهِ تَكْرِيماً لَها ؛ ورَجَّحَهُ الطبريُّ ، وفي البخاري : { فَطَفِقَ مَسْحاً } يمسحُ أعْرَافَ الخَيلِ وعَرَاقِيبَهَا ؛ انتهى ، وعن بعضِ العلماءِ أَنَّ هذهِ القصةَ لَمْ يَكُنْ فيها فَوْتُ صلاةٍ ، وقالوا : عُرِضَ على سليمانَ الخيلُ وهو في الصلاةِ ، فأشَارَ إليهم ؛ أي : إني في صلاةٍ ، فأزَالُوهَا عَنْهُ حتى أَدْخَلُوها في الإصْطَبْلاَتِ ، فقالَ هو ، لَمَّا فَرَغَ من صلاته : إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخيرِ ، أي : الذي عِنْدَ اللَّهِ في الآخِرةِ ؛ بسببِ ذِكْرِ ربي ، كَأَنه يقول : فَشَغَلَنِي ذلكَ عَنْ رُؤْيَةِ الخيلِ ، حتى أُدْخِلَتْ إصْطَبْلاَتِهَا ، رُدُّوهَا عَليّ ، فَطَفِقَ يَمْسَحُ أعْرَافَهَا وسُوقَهَا ، تَكْرمةً لها ، أي : لأَنَّها معدَّةٌ للجهَادِ ، وهذا هو الراجحُ عند الفخر ، قال : ولو كانَ مَعْنَىٰ مَسْحِ السُّوقِ والأعناقِ قَطْعَهَا لَكَانَ مَعْنَىٰ قوله : { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } [ المائدة : 6 ] قطعَهَا * ت * : وهَذَا لا يلزمُ للقرينَةِ في الموضعين ، اهـــ . قال أبو حَيَّان : و { حُبَّ ٱلْخَيْرِ } قال الفراء : مفعولٌ بهِ ، { أَحْبَبْتُ } مُضَمَّنٌ مَعْنَىٰ آثَرْتُ ، وقيلَ : منصوبٌ على المصدرِ التَّشْبِيهِي ، أي : حبًّا مِثْلَ حُبِّ الخير ، انتهى . وقوله : { عَن ذِكْرِ رَبِّى } « عن » عَلَىٰ كُلِّ تَأويلٍ هنا للمُجَاوَزَةِ من شيءٍ إلى شَيْءٍ ، وَتَدَبَّرْهُ فإنه مُطَّرِدٌ .