Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 29-31)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً … } الآية : الاستثناءُ منقطعٌ ، المعنَىٰ : لكنْ إنْ كانَتْ تجارةً ، فكُلُوها ، وأخْرَجَ البخاريُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا ، أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إتْلاَفَهَا ، أَتْلَفَهُ اللَّه " انتهى . وقوله تعالَىٰ : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } ، أجمع المتأوِّلون علَىٰ أنَّ المقصودَ بهذه الآية النهْيُ عن أنْ يقتُلَ بعْضُ الناسِ بَعْضاً ، ثم لفظها يتناوَلُ أنْ يقتل الرجُلُ نَفْسَهُ بقَصْدٍ منه للقتل ، أو بأنْ يحملها علَىٰ غَرَرٍ ، رُبَّمَا ماتَ مِنْهُ ، فهذا كلُّه يتناوله النَّهْيُ ، وقد ٱحتجَّ عمرو بن العاصي بهذه الآيةِ حين ٱمْتَنَعَ مِنَ الاغتسال بالمَاءِ الباردِ ؛ خَوْفاً على نَفْسِهِ منه ، فقرَّر رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احتجاجَهُ . وقوله تعالى : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَٰناً وَظُلْماً … } الآية : اختلف في المُشَارِ إلَيْه بـ « ذَلِكَ » . فقال عطاء : « ذَلِكَ » عائدٌ على القَتْل ؛ لأنه أقربْ مَذْكُور ، وقالتْ فرقةٌ : « ذلك » عائدٌ علَىٰ أَكْلِ المالِ بالباطِلِ ، وقَتْلِ النَّفْسِ ، وقالَتْ فرقةٌ : « ذَلِكَ » : عائدٌ علَىٰ كُلِّ ما نُهِيَ عَنْه مِنْ أوَّل السورةِ ، وقال الطبريُّ : « ذَلِكَ » عائدٌ علَىٰ ما نُهِيَ عنه مِنْ آخر وعيدٍ ، وذلك قولُهُ تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُواْ ٱلنِّسَاءَ كَرْهاً } [ النساء : 19 ] ؛ لأنَّ كلَّ ما نهي عنه قبله إلى أول السُّورة ، قُرِنَ به وعيدٌ . قال ابنُ العَرَبيِّ في « أحكامه » والقول الأول أصحُّ ، وما عداه محتملٌ . انتهى . والعدوانُ : تَجَاوُزُ الحَدِّ . قال * ص * : { عُدْوَاناً وظُلْماً } : مصدرانِ في مَوْضِعِ الحال ، أي : معتدِّين وظالِمِينَ ، أبو البقاء : أو مفعولٌ من أجله . انتهى . واختلف العلماءُ في الكبائِرِ . فقال ابنُ عبَّاس وغيره : الكبائرُ : كلُّ ما وَرَدَ علَيْه وعيدٌ بنارٍ ، أو عذابٍ ، أو لَعْنَةٍ ، أو ما أشبه ذلك . وقال ابن عبَّاس أيضاً : كلُّ ما نَهَى اللَّه عنه ، فَهُوَ كَبِيرٌ ، وعلَى هذا القول أئمَّة الكلامِ ؛ القاضِي ، وأبو المَعَالِي ، وغَيْرُهما ؛ قالوا : وإِنما قيل : صغيرةٌ ؛ بالإِضافة إِلَى أكبر منها ، وإِلاَّ فهي في نفسها كبيرةٌ ؛ منْ حيْثُ المَعْصِيُّ بالجميع واحدٌ ، واختلف العلماءُ في هذه المسألة ، فجماعةٌ من الفقهاءِ والمحدِّثين يَرَوْنَ أنَّ باجتنابِ الكبَائرِ تُكَفَّر الصغائرُ قطْعاً ، وأما الأصوليُّون ، فقَالُوا : مَحْمَلُ ذلك علَى غَلَبة الظَّنَّ ، وقُوَّةِ الرجاءِ ، لا علَى القَطْع ، ومَحْمَلُ الكبائرِ عند الأصوليِّين في هذه الآيةِ أجناسُ الكُفْر ، والآيةُ التي قَيَّدت الحُكْمَِ ، فتردُّ إِلَيْها هذه المُطْلَقات كلُّها : قوله تعالَى : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 و116 ] . و { كَرِيماً } : يقتضي كَرَمَ الفضيلةِ ، ونَفْيَ العيوب ؛ كما تقول : ثَوْبٌ كريمٌ ، وهذه آية رجاء ، ورَوى أبو حاتم الْبُسْتِيُّ في « المُسْنَدِ الصَّحِيح » له ، عن أبي هريرةَ وأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ؛ " أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ علَى المِنْبَرِ ، ثُمَّ قَالَ : « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه » ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثم سَكَتَ ، فَأَكَبَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَبْكِي حَزِيناً لِيَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَالَ : « مَا مِنْ عَبْدٍ يُؤَدِّي الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، وَيَجْتَنِبُ الكَبَائِرَ السَّبْعَ ، إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ ثَمانِيَةُ أَبْوَابِ مِنَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ ؛ حَتَّى إِنَّها لَتُصَفِّقُ ، ثُمَّ تَلاَ : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ … } الآية » " انتهى من " التذكرة " للقرطبيِّ ، ونحوُهُ ما رواه مُسْلِمٌ ، عن أبي هريرةَ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالجُمُعَةَ إِلَى الجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ ، إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ " ؛ قال القرطبيُّ : وعلَى هذا جماعةُ أهل التأويل ، وجماعةُ الفقهاءِ ، وهو الصحيحُ ؛ أنَّ الصغائر تُكَفَّرُ باجتنابِ الكبائرِ قَطْعاً بِوَعْدِ اللَّهِ الصِّدْق ، وقولِهِ الحَقِّ سبحانه ، وأما الكَبَائِرُ ، فلا تكفِّرها إِلا التوبةُ منْهَا . انتهى . قلْتُ : وفي « صحيح مُسْلِمٍ » ، عن أبي هريرة ( رضي اللَّه عنه ) ؛ أنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ : " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، والسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ المُؤْمِنَاتِ " انتهى .