Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 2-3)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوَٰلَهُمْ … } قال ابنُ زَيْدٍ : هذه مخاطبةٌ لِمَنْ كانَتْ عادتُهُ من العَرَب ألاَّ يَرِثَ الصَّغيرُ من الأولاد ، وقالتْ طائفة : هذه مخاطبةٌ للأوصياءِ . قال ابنُ العَرَبِيِّ : وذلك عند الابتلاءِ والإرشاد . انتهى . وقوله : { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيّبِ } ، قال ابن المسيِّب وغيره : هو ما كان يفعله بعضهم من إبدال الشاة السَّمينة مِنْ مال اليتيم بالهَزِيلة مِنْ ماله ، والدِّرْهَمِ الطَّيِّبِ بالزِّائِفِ ، وقيل : المراد : لا تأكلوا أموالهم خبيثًا ، وتَدَعُوا أموالكم طيبًا ، وقيل غيرُ هذا . والطَّيِّب هنا : الحلالُ ، والخَبِيثُ : الحرامُ . وقوله : { إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ } : التقدير : ولا تُضِيفُوا أموالهم إلَىٰ أموالكم في الأكْل ، والضميرُ في « إنَّهُ » : عائدٌ على الأَكْلِ ، والحُوبُ : الإثم ؛ قاله ابن عباس وغيره ؛ وتَحَوَّبَ الرَّجُلُ ، إذا ألْقى الحُوبَ عن نَفْسه ، وكذلك تَحَنَّثَ وَتَأَثَّمَ وَتَحَرَّجَ ؛ فَإن هذه الأربعة بخلافِ « تَفَعَّلَ » كلِّه ؛ لأنَّ « تَفَعَّلَ » معناه : الدُّخُول في الشَّيْء ؛ كـ « تَعَبَّد » ، و « تَكَسَّبَ » ، وما أشبهه ؛ ويلحق بهذه الأربعةِ « تَفَكَّهُونَ » في قوله تعالَىٰ : { لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَـٰماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } [ الواقعة : 65 ] أيْ : تُطَرِّحُونَ الفَكَاهَة عَنْ أنفسكم . وقوله تعالى : { كَبِيراً } : نصٌّ علَىٰ أنَّ أكل مال اليتيم مِنَ الكَبَائر . وقوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَـٰمَىٰ … } الآية : قال أبو عُبَيْدَةِ : خِفْتُم ههنا بمعنى أيْقَنْتُمْ . قال * ع * : وما قاله غيرُ صحيحٍ ، ولا يكون الخَوْفُ بمعنى اليَقِينِ بوجْهٍ ، وإنما هو من أَفْعَالِ التوقُّع ، إلاَّ أنه قد يَمِيلُ فيه الظنُّ إلى إحدى الجِهَتَيْنِ ؛ قُلْتُ : وكذا رَدَّ الدَّاوُودِيُّ على أبي عْبَيْدة ، ولفظه : وعن أبي عُبَيْدة : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } : مجازه : أيْقَنْتُمْ ، قال أبو جعفر : بل هو على ظَاهِرِ الكلمةِ . انتهى . و { تُقْسِطُواْ } : معناه : تَعْدِلُوا ؛ يقال : أَقْسَطَ الرَّجُلُ إذا عَدَلَ ، وقَسَطَ إذا جَار ؛ قالتْ عائشةُ ( رضي اللَّه عنها ) : نزَلَتْ هذه الآيةُ في أولياء اليتامَى الَّذِينَ يُعْجِبُهم جمالُ وليَّاتهم ، فيريدُونَ أنْ يبخَسُوهُنَّ في المَهْر ؛ لمكانِ وَلاَيَتِهِمْ عَلَيْهِنَّ ، فقيل لهم : ٱقْسِطُوا في مهورِهِنَّ ، فمَنْ خَافَ ألاَّ يُقْسطَ ، فليتزوَّج ما طَابَ له مِنَ الأجنبيَّات اللَّوَاتِي يُكَايِسْنَ في حقوقِهِنَّ ، وقاله ربيعة . قال الحسَنُ وغيره : { مَا طَابَ } : معناه ما حلَّ . وقيلَ : « ما » ظرفيةٌ ، أي : ما دُمْتُم تستحسنُون النِّكَاحَ ، وضُعِّفَ ؛ قُلْتُ : وفي تضعيفه نَظَرٌ ، فتأمَّله . قال الإمام الفَخْر : وفي تفسير { مَا طَابَ } بِما حَلَّ ـــ نَظَرٌ ؛ وذلك أنَّ قوله تعالى : { فَٱنكِحُواْ } : أمْرُ إباحةٍ ، فلو كان المرادُ بقوله : { مَا طَابَ لَكُمْ } ، أي : ما حَلَّ لكم ــــ لتنزَّلت الآية منزلةَ ما يُقَالُ : أبَحْنَا لكم نِكَاحَ مَنْ يكون نكاحُها مباحاً لكم ، وذلك يُخْرِجُ الآيةَ عن الفائدةِ ، ويصيِّرها مُجْمَلَةً لا محالةَ ، أما إذا حَمَلْنا « طَابَ » على استطابةِ النَّفْسِ ، ومَيْلِ القلبِ ، كانَتِ الآيةُ عامَّة دخَلَها التخْصيصُ ، وقد ثَبَتَ في أصول الفقْهِ ؛ أنه إذا وقع التعارُضُ بَيْن الإجمال والتَّخْصِيص ، كان رَفْع الإجمال أوْلَىٰ ؛ لأنَّ العامَّ المخصَّص حُجَّةٌ في غَيْر محلِّ التخصيص ، والمُجْمَلُ لا يكونُ حُجَّةً أصلاً . انتهى ، وهو حَسَنٌ ، و { مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } : موضعها من الإعراب نَصْبٌ على البدل من « مَا طَابَ » ، وهي نكراتٌ لا تنصرفُ ؛ لأنها معدولةٌ وصِفَة . وقوله : { فَوٰحِدَةً } ، أي : فٱنكحوا واحدةً أو ما ملَكَتْ أيْمَانُكُم ، يريد به الإماءَ ، والمعنَىٰ : إنْ خَافَ ألاَّ يَعْدِلَ في عِشْرةٍ واحدةٍ ، فما ملكت يمينه ، وأسند المِلْكَ إلى اليمين ؛ إذ هي صفةُ مَدْحٍ ، واليمينُ مخصوصةٌ بالمحاسِنِ ؛ أَلاَ تَرَىٰ أنَّها المُنْفِقَة ؛ كما قال ـــ عليه السلام ـــ : " حَتَّىٰ لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ " ، وهي المعاهِدَةُ المُبَايِعَة . قال ابن العَرَبِيِّ : قال علماؤُنَا : وفي الآيةِ دليلٌ علَىٰ أنَّ مِلْكَ اليمينِ لا حَقَّ له في الوَطْءِ والقَسْمِ ؛ لأنَّ المعنَىٰ : فَإنْ خفتم ألاَّ تعدِلُوا في القَسْم ، فواحدةٌ ، أو ما مَلَكَتْ أيمانكم ، فجعل سبحانه مِلْكَ اليمينِ كلَّه بمنزلةِ الوَاحِدَة ، فَٱنتفَىٰ بذلك أنْ يكون للأَمَةِ حَقٌّ في وَطْءٍ أوْ قَسْم . انتهى من « الأحكام » . وقوله : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } ، أَدْنَىٰ : معناه : أقرب ألاَّ تعولُوا ، أيْ : ألاَّ تميلوا ، قاله ابن عباس وغيره ، وقالَتْ فرقة : معناه : أدْنَىٰ ألاَّ يكثر عِيَالُكُمْ ، وقَدَحَ في هذا الزَّجَّاج وغيره .