Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 47-50)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ … } الآية : هذا خطابٌ لليهودِ والنصارَىٰ ، { وَلِمَا مَعَكُمْ } : مِنْ شَرْعٍ ومِلَّةٍ ، لا لما معهم من مُبَدَّلٍ ، ومُغَيَّرٍ ، والطامس : الداثر المغيَّر الأعلامِ ، قالتْ طائفة : طَمْسُ الوجوهِ هنا هو خُلُوُّ الحَوَاسِّ منها ، وزوالُ الخِلْقَةِ ، وقال ابنُ عَبَّاس وغيره : طَمْسُ الوجُوه : أنْ تُزَالَ العينَانِ خاصَّة منها ، وتُرَدّ العينان في القفا ، فيكون ذلك رَدًّا على الأدْبَارِ ، ويَمْشِي القَهْقَرىٰ ، وقال مالكٌ ( رحمه اللَّه ) : كان أول إسلام كَعْبِ الأَحْبَارِ ؛ أنَّه مَرَّ برَجُلٍ من الليل ، وهو يقرأُ هذه الآية : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءَامِنُواْ … } الآية ، فوضَعَ كَفَّيْهِ علَىٰ وَجْهه ، وَرَجَعَ القَهْقَرَىٰ إلى بيته ، فأسْلَمَ مكَانَهُ ، وقال : « واللَّهِ ، لَقَدْ خِفْتُ أَلاَّ أَبْلُغَ بَيْتِي ، حتى يُطْمَسَ وجهي » ، وأصْحَابُ السَّبْتِ : هم الذين ٱعْتَدَوْا في السَّبْت في الصَّيْد ؛ حَسْبَمَا تقدَّم ، قال قتادةُ وغيره : وأمر اللَّه في هذه الآية واحدُ الأمور دالٌّ على جِنْسها لا واحدُ الأوامر ، فهي عبارةٌ عن المخْلُوقَاتِ ؛ كالعَذَابِ ، واللَّعْنَة هنا ، أو ما ٱقتضاه كُلُّ موضِعٍ ممَّا يختصُّ به . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ … } الآية : هذه الآيةُ هي الحاكِمَةُ ببَيَانِ ما تَعَارَضَ مِنْ آيات الوعْدِ والوعيدِ ، وتلخيصُ الكلامِ فيها أنْ يُقَالَ : النَّاسُ أربعةُ أصْنَافٍ : كَافِرٌ مات على كُفْره ، فهذا مُخَلَّد في النَّار ؛ بإجمَاع ، ومُؤْمِنٌ مُحْسِنٌ لَمْ يُذْنِبْ قطُّ ، وماتَ علَىٰ ذلك ، فهذا في الجنة مَحْتُومٌ علَيْه حَسَبَ الخَبَرِ من اللَّه تعالَىٰ ، بإجماع ، وتَائِبٌ مَاتَ علَىٰ توبتِهِ ، فهو عنْدَ أَهْلِ السُّنَّة وجمهورِ فُقَهَاء الأُمَّة لاَحِقٌ بالمُؤْمِنِ المُحْسِنِ ، إلاَّ أنَّ قانُونَ المتكلِّمين أنَّه في المَشيئَةِ ، ومُذْنِبٌ مَاتَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ ، فهذا هو موضعُ الخلاَفِ ، فقالَت المُرْجِئَةُ : هو في الجنَّة بإيمانه ، ولا تَضُرُّه سيئاته ، وجعلوا آيات الوعيدِ كلَّها في الكُفَّار ، وآياتِ الوَعْد عامَّةً في المؤْمنين ؛ تَقِيِّهِمْ وعَاصِيهِمْ ، وقالتِ المعتزِلةُ : إذا كان صاحبَ كبيرةٍ ، فهو في النَّار ، ولا بُدَّ ، وقالتِ الخوارجُ : إذا كان صاحِبَ كَبيرة ، أو صغيرةٍ ، فهو في النَّار مخلَّد ، ولا إيمان له ؛ لأنهم يَرَوْنَ كل الذنُوبِ كبائرَ ، وجعلوا آيات الوَعْدِ كلَّها في المؤمِنِ الذي لم يَعْصِ قَطُّ ، والمؤمِنِ التائِبِ ، وقال أهْلُ السُّنَّة : هو في المشيئة ، وهذه الآيةُ هي الحاكِمَةُ ، وهي النصُّ في مَوْضِعِ النِّزاعِ ، وذلك أنَّ قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } فصْلٌ مجمعٌ عليه ، وقوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } فَصْلٌ قاطع للمعتزلة ، رادٌّ علَىٰ قولهم ردًّا لا محيدَ لهم عنه ، ولو وقَفْنَا في هذا الموضع مِنَ الكلامِ ، لَصَحَّ قولُ المرجئَةِ ، فجاء قوله : { لِمَن يَشَاءُ } ، ردًّا عليهم مبيناً أنَّ غفران مَا دُونَ الشِّرْك إنما هو لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ ؛ بخلاف ما زَعَمُوه مِنْ أنه مغفورٌ لكلِّ مؤمنٍ ، ولما حتم سبحانه علَىٰ أنه لا يغفرُ الشِّرك ، ذكر قُبْحَ موقعه ، وقَدْرِهِ في الذُّنُوبِ ، والفِرْيَةُ : أشدُّ مراتبِ الكَذِبِ قُبْحاً ، وهو الاختلاقُ . وقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ … } الآية : لا خِلاَفَ بين المتأوِّلين أنَّ المراد بالآية اليهودُ ، وإنما اختلفوا في المعنَى الَّذي به زَكَّوْا أنفسهم . فقال الحسن ، وقتادة : ذلك قولُهُمْ : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] ، وقولهم : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً } [ البقرة : 111 ] إلى غير ذلك من غُرُورِهِم . قال * ع * : فتقتضي هذه الآيةُ الغَضَّ مِنَ المُزَكِّي لنفسه بلِسَانِهِ ، والإعلامَ بأنَّ الزَّاكِيَ المُزَكَّىٰ مَنْ حَسُنَتْ أفعاله ، وزَكَّاه اللَّه عزَّ وجلَّ ، قال ابْنُ عَبَّاس وغيره : الفَتِيلُ : الخَيْطُ الذي في شَقِّ نواة التَّمْرة ، وذلك راجعٌ إلى الكناية عن تَحْقير الشَّيْء وتصغيرِهِ ، وأنَّ اللَّه لا يظلمه ، ولاَ شَيْءَ دونه في الصِّغَر ، فكيف بما فَوْقَهُ . وقوله تعالى : { ٱنظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ … } الآية : يبيِّن أنَّ تزكيتهم أنفسَهُمْ كانَتْ بالباطلِ ، والكَذِبِ ؛ ويُقَوِّي أنَّ التزكية كانَتْ بقولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } أنَّ الاِفتراءَ أَعظمُ في هذه المقالةِ ، و { كَيْفَ } يَصِحُّ أنْ تكونَ في موضِع رَفْعٍ بالاِبتداءِ ، والخَبَرُ في قوله { يَفْتَرُونَ } ؛ و { كَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } خبرٌ ، في ضِمْنه تعجُّب وتعجيبٌ مِنْ أمْرهم . قال * ص * : { وَكَفَىٰ بِهِ } عائدٌ علَىٰ الاِفتراءِ ، وقيل : على الكذب . انتهى .