Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 53-55)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ … } الآية : عُرْفُ « أَمْ » أنْ تُعْطَفَ بعد استفهامٍ متقدِّم ؛ كقولك : أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو ؟ فَإذا وردَتْ ، ولم يتقدَّمها استفهامٌ ؛ كما هي هنا ، فمذهب سيبَوَيْهِ ؛ أنَّها مضمَّنةٌ معنى الإضراب عن الكلامِ الأوَّلِ ، والقَطْع منه ، وهي متضمِّنة مع ذلك مَعْنَى الاِستفهام ، فهي بمعنى « بَلْ » مع همزةِ استفهامٍ ؛ كقول العربِ : « إنها لإِبِلٌ أَمْ شَاءٌ » ، التقدير عند سيبويه : إنَّهَا لإِبِلٌ بَلْ أَهِيَ شَاءٌ ؟ وَكَذَلك هذا الموضعُ : بَلْ أَلهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ ، فإذا عرفْتَ هذا ، فالمعنى على الأرجَحِ الذي هو مذْهَبُ سيبَوَيْهِ والحُذَّاقِ : أنَّ هذا استفهامٌ على معنى الإِنكار ، أي : ألهم مُلْكٌ ؛ فإذن لَوْ كان ، لَبَخِلُوا به ، والنَّقِيرُ : هي النُّكْتَةُ التي في ظَهْر النَّوَاة من التَّمْر ؛ هذا قول الجمهور ، وهَذَا كنايةٌ عن الغايَةِ في الحَقَارة والقِلَّة ، وتُكْتَبُ « إذَنْ » بالنُّون وبالألِفِ ، فالنُّونُ هو الأصْلُ ؛ كـ « عَنْ » ، وَ « مِنْ » ، وجاز كتبها بالألِفِ ؛ لصحَّة الوقوفِ عليها ، فأشبهَتْ نونَ التَّنْوينِ ، ولا يصحُّ الوقوف علَىٰ عَنْ ومِنْ . وقوله تعالى : { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَا ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ … } الآية : « أمْ » هذه علَىٰ بابها من العطْفِ بعد الاِستفهام . وقال * ص * : { أَمْ يَحْسُدُونَ } : « أَمْ » أيضاً منقطعةٌ تتقدَّر بـ « بَلْ » و « الهمزة » . انتهى . قلت : والظاهر ما قاله * ع * واختلف في المراد بـ « الناس » هنا . فقال ابنُ عبَّاس وغيره : هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، والفَضْلُ : النبوَّة فقط ، والمعنَىٰ : فَلِمَ يخصُّونه بالحَسَد ، ولا يَحْسُدُونَ آل إبراهيم في جميعِ مَا آتيناهم مِنْ هذا وغيره مِنَ المُلْك ، وقال قتادة : « النَّاسُ » هنا : العَرَبُ ، حَسَدَتْها بَنُو إسرائيل في أنْ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم منْها ، والفَضْلُ على هذا التأويل هو محمَّد صلى الله عليه وسلم ، قَالَ أبو عُمَرَ بْنُ عبدِ البَرِّ : وقد ذَمَّ اللَّه قوماً علَىٰ حَسَدهم ، فقال : { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَا ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، ثم حدَّث بسنده ، عن عمرو بن مَيْمُونٍ ، قَالَ : لما رَفَع اللَّه موسَىٰ نَجِيًّا ، رأَىٰ رجُلاً متعلِّقاً بالعَرْش ، فقال : يا رَبِّ ، مَنْ هَذَا ، فقالَ : هذا عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي ، صَالِحٌ ، إنْ شئْتَ أخبرتُكَ بعمله ، فقال : يا رَبِّ ، أخبِرْنِي ، فقال : كَانَ لاَ يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَىٰ ما آتاهم اللَّه مِنْ فَضْله ، ثم حدَّث أبو عمر بسنده ، عن أنسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الحَسَدَ يَأْكُلُ الحَسَنَاتِ ؛ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ " وذكر عبد الرزَّاق ، عن مَعْمَرٍ ، عن إسماعيل بْنِ أُمَّيَةَ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثٌ لاَ يَسْلَمُ مِنْهُنَّ أَحَدٌ : الطِّيَرَةُ ، والظَّنُّ ، وَالحَسَد ! قِيلَ : فَمَا المَخْرَجُ مِنْهُنَّ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إذَا تَطَيَّرْتَ فَلاَ تَرْجِعْ ، وَإذَا ظَنَنْتَ فَلاَ تُحَقِّقْ ، وَإذَا حَسَدتَّ فَلاَ تَبْغِ " انتهى من « التمهيد » . وقوله تعالى : { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ بِهِ } ٱختلِفَ في الضمير مِنْ « به » . فقال الجمهور : هو عائدٌ علَى القرآن الذي في قوله تعالَىٰ : { آمِنُوا بِمَا نزَّلنا مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } [ النساء : 47 ] ؛ فأعلم اللَّه سبحانه أنَّ منهم مَنْ آمَنَ ؛ كما أُمِرَ ؛ فلذلك ارتفَعَ الوعيدُ بالطَّمْسِ ، ولم يَقَعْ ، وصَدَّ قومٌ ثبَتَ الوعيدُ عليهم في الآخرة ؛ بقوله سبحانه : { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } . وقيل : هو عائدٌ على إبراهيم ـــ عليه السلام ـــ . وقيل : هو عائدٌ على الفَضْلِ الذي آتاه اللَّه النبيَّ ـــ عليه السلام ـــ ، والعربَ علَىٰ ما تقدَّم .