Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 82-84)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ … } الآية : المعنى : أَفلا يتدبَّر هؤلاءِ المنافقُونَ كَلاَمَ اللَّه تعالَىٰ ، فتظهر لهم براهِينُهُ ، وتلُوح لهم أدلَّته ، قُلْتُ : ٱعْلَمْ ( رحمك اللَّه تعالى ) ؛ أنَّ تدبُّر القرآن كفيلٌ لصاحبه بكُلِّ خير ، وأما الهَذْرَمَة والعَجَلَةُ ، فتأثيرُها في القَلْب ضعيفٌ ؛ قال النوويُّ ( رحمه اللَّه ) : وقد كَرِهَ جماعةٌ من المتقدِّمين الخَتْمَ فِي يومٍ وليلةٍ ؛ ويدلُّ عليه ما رُوِّينَاهُ بالأسانيدِ الصَّحيحة في سُنَن أبي دَاوُد ، والتِّرمذيِّ ، والنَّسَائِيِّ وغيرها ، عن عبد اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنَ العَاصِي ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ " انتهى . قال * ع * : والتدبُّر هو النظر في أعقابِ الأُمُور وتأويلاتِ الأشياءِ ، هذا كلُّه يقتضيه قولُهُ سبحانه : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ } ، وهذا أمرٌ بالنَّظَرِ والاستدلالِ ، ثم عَرَّف تعالى بِمَوْقِعِ الحُجَّة ، أي : لو كان مِنْ كلامِ البَشَر ، لَدَخَلَهُ مَا فِي البَشَرَ من القُصُور ، وظهر فيه التناقُضُ والتنافِي الَّذي لا يُمْكِنُ جَمْعُه ؛ إذ ذلك موجودٌ في كلامِ البَشَرِ ، والقرآنُ منزَّه عنه ؛ إذ هو كلامُ المحيطِ بِكُلِّ شيء سبحانه . قال * ع * : فإن عرضَتْ لأحدٍ شبهةٌ ، وظنَّ ٱختلافاً في شَيْءٍ مِنْ كتابِ اللَّه ، فالواجبُ أنْ يتَّهم نَظَرَهُ ويسأَلَ مَنْ هو أعلَمُ منه . وقوله تعالى : { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ … } الآية : قال جُمْهور المفسِّرين : إن الآيةَ من المنافِقِينَ حَسْبما تقدَّم ، والمعنَىٰ : أنَّ المنافقين كانوا يتشوَّفون إلَىٰ سماعِ ما يُسِيءُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فإذا طَرَأَتْ لهم شبهةُ أَمْنٍ للمسلمينَ ، أو فَتْحٍ عليهم ، حَقَّرُوهَا وصَغَّروا شأنَها ، وأذاعوا ذلك التحْقيرَ والتَّصْغِيرَ ، وإذا طرأت لهم شُبْهَةُ خوفٍ للمسْلِمينَ أو مُصِيبةٍ ، عَظَّموها ، وأذاعوا ذلك ، و { أَذَاعُواْ بِهِ } : معناه : أَفْشَوْهُ ، وهو فِعْلٌ يتعدَّىٰ بحرفِ الجَرِّ وبنفسه أحياناً . وقالت فرقة : الآية نزلَتْ في المنافقين ، وفِيمَنْ ضَعُفَ جَلَدُه ، وقَلَّتْ تجْرِبَتُهُ مِنَ المؤمنين ؛ وفي الصحيحِ مِنْ حديثِ عُمَرَ بْنِ الخطَّاب ( رضي اللَّه عنه ) ؛ أنه جَاءَ ، وَقَوْمٌ فِي المَسْجِدِ ، يَقُولُونَ : طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ ، ثُمَّ قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ ؟ فَقَالَ : لاَ ، قَالَ عُمَرُ : فَقُمْتُ عَلَىٰ بَابِ المَسْجِدِ ، فَقُلْتُ : أَلاَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ ، فأنزَلَ اللَّه تعالَىٰ هذه الآيةَ . { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ … } الآية ؛ قال : وَأَنَا الَّذِي ٱسْتَنْبَطْتُهُ . وقوله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ … } الآية : المعنَىٰ : لو أمسكوا عن الخَوْض وٱستقْصَوْا الأمرِ مِنْ قِبَلِ الرسولِ ، وأولِي الأمْر ، وهم الأَمَرَاءُ والعُلَمَاءُ ، لَعَلِمَهُ طُلاَّبُهُ مِنْ أُولِي الأمْرِ ، والبَحَثَةِ عنه ، وهم مستنْبِطُوهُ ؛ كَمَا يُسْتَنْبَطُ الماءُ ، وهو ٱستخراجُهُ مِنَ الأرْضِ . وقوله سبحانه : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ . … } الآية : خِطَابٌ لجميعِ المؤمنينَ ؛ باتفاقٍ من المتأوِّلين ، وقوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } هو مستثنى في قول جماعةٍ من قوله : { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، وقال ابن عَبَّاس ، وابن زَيْدٍ : ذلك مستثنًى من قوله : « أَذَاعُوا بِهِ إلاَّ قليلاً » ، ورجَّحه الطبريُّ ، وقال قتادة : هو مستثنًى من قوله : « يستنبطُونَهُ إلا قليلاً » . * ت * : قال الدَّاوُوديُّ : قال أبو عُبَيْدة : وإنما كَرِهَ العلماءُ أنْ يجعلوا الاِستثناءَ مِنْ قوله : { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً } ؛ لأنَّه لا وَجْهَ له ؛ فإنَّه لولا فَضْلُ اللَّهِ ورحْمَتُهُ ، لاتبعوا الشيْطَانَ كلُّهم . انتهى ، وهو حَسَنٌ ، وأما قوله : « لا وَجْهَ له » ، ففيه نظَرٌ ، فقد وجَّهه العلماءُ بما لا نُطِيلُ بذكْره . وقوله تعالى : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } الآية : هذا أَمْرٌ في ظاهرِ اللَّفْظ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وَحْده ، لكن لم نَجِدْ قَطُّ في خَبَرٍ ، أنَّ القتالَ فُرِضَ علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، دون الأُمَّة مُدَّةً مَّا ، والمعنَىٰ ، واللَّه أعلَمُ ؛ أنه خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في اللفظِ ، وهو مثالُ مَا يُقَالُ لكلِّ واحدٍ في خاصَّة نَفْسه ، أي : أنْتَ ، يا محمَّد ، وكلُّ واحدٍ من أمَّتك القولُ لَهُ : فقاتِلْ في سبيلِ اللَّه ، لا تُكَلَّف إلاَّ نَفْسَكَ ، ولهذا ينبغي لكلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يستَشْعِرَ أنْ يُجَاهِدَ ، ولو وحْدَه ؛ ومِنْ ذلك قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " وَاللَّهِ ، لأُقَاتِلَنَّكُمْ حَتَّىٰ تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي " ، وقولُ أبِي بَكْرٍ ( رضي اللَّه عنه ) وَقْتَ الرِّدَّةِ : « وَلَوْ خَالَفَتْنِي يَمِينِي ، لَجَاهَدتُّهَا بِشِمَالِي » ، وعسَىٰ إذا وردَتْ من اللَّه تعالَىٰ ، فقال عكرمة وغيره : هي واجِبَةٌ ؛ بفَضْلِ اللَّه ووَعْده الجميلِ ، قلْتُ : أيْ : واقعٌ مَّا وعَدَ به سبحانه ، والتنكيلُ : الأخْذُ بأنواعِ العَذَابِ .