Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 26-33)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ … } الآية ، الظاهرُ مِنْ أمرِ فِرْعَوْنَ أنه لمَّا بَهَرَتْهُمْ آيات مُوسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ ٱنْهَدَّ رُكْنُهُ ، وٱضْطَرَبَتْ معتقداتُ أَصْحَابِهِ ، ولم يَفْقِدْ مِنْهُمْ من يجاذبُهُ الْخِلاَفُ في أمْرِه ، وذلك بَيِّنٌ مِنْ غَيرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ قِصَّتهما ، وفي هذه الآية علَىٰ ذلك دَلِيلاَنِ : أحدُهما : قوله : { ذَرُونِيۤ } ؛ فليستْ هذه مِنْ ألفاظِ الجَبَابِرَةِ المتمكِّنِينَ مِنْ إنفاذ أوامِرِهمْ . والدليل الثاني : مَقَالَةُ المُؤْمِنِ وَمَا صَدَعَ به ، وإنَّ مكاشَفَتَهُ لِفِرْعَوْنَ أكْثَرُ مِنْ مُسَاتَرَتِهِ ، وحُكْمُه بِنُبُوَّةِ موسَىٰ أظْهَرُ من تَوْرِيَتِهِ في أَمْرِهِ ، وأَمَّا فِرْعَوْنُ فإنما نَحا إلى المَخْرَقَةِ والتَمْوِيهِ والاضْطرابِ ، ومن ذلك قوله : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } أي : إني لا أبالي بربِّ مُوسَىٰ ، ثم رجَعَ إلى قومِه يُرِيهُم النَّصِيحَةَ والحمايةُ لهم ، فقالَ : { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ } والدين : السلطانُ ؛ ومنه قولُ زُهَيْرٍ : [ البسيط ] @ لَئِنْ حَلَلْتَ بِحَيٍّ في بَنِي أَسَدٍ في دِينِ عَمْرٍو وَحَالَتْ بَيْنَنَا فَدَكُ @@ وقرأ حمزةُ والكسائي وعاصم : « أَوْ أَنْ يُظْهِرَ » وقرأ الباقون : « وَأَنْ يُظْهِرَ » ؛ فعلَى القراءةِ الأولى : خافَ فِرْعَوْنُ أَحَدَ أمْرَيْنِ ، وعلى الثانيَةِ : خَافَ الأَمْرَيْنِ معاً ، ولَمَّا سَمِعَ موسَىٰ مقالةَ فِرْعَوْنَ دَعَا ، وقال : { إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ … } الآية ، ثم حكَى اللَّهُ سبحانه مقالةَ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ؛ شرَّفَه بالذكْرِ وخلَّدَ ثَنَاءَه في الأُمَمِ غَابِرَ الدَّهْرِ ، قال * ع * : سمعتُ أبي ـــ رحمه اللَّه ـــ يقول : سمعتُ أَبا الفَضْلِ ابْنَ الجَوْهَرِيِّ على المنبر يقول ؛ وَقَدْ سُئِلَ أن يتكلَّمَ في شيءٍ من فضَائِل الصحابةِ ، فأَطْرَقَ قليلاً ، ثُمَّ رَفَع رأْسَهُ ، وأنشد : [ الطويل ] @ عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِه فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارَنِ مُقْتَدِ @@ مَاذَا تُرِيدُ من قومٍ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بنبيِّه ، وخصَّهم بمشاهدةِ وَحْيِهِ ، وقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تعالَىٰ على رَجُلٍ مُؤْمِنٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، كَتَمَ إيمانَهُ وأَسَرَّهُ ، فجعلَه تعالَىٰ في كتابهِ ، وأثْبَتَ ذِكْرَهُ في المصاحِفِ ، لكلامٍ قَالَه في مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْكُفْرِ ، وأَيْنَ هُوَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ ؛ إذْ جَرَّدَ سَيْفَهُ بمكَّةَ ، وقال : واللَّهِ ، لاَ أَعْبُدُ اللَّهَ سِرًّا بَعْدَ اليَوْمِ ، قال مقاتل : كان هذا المؤمنُ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ ، قال الفَخْرُ : قيل : إنَّه كانَ ابْنَ عَمٍّ لِفِرْعَوْنَ ، وكانَ جَارِياً مَجْرَىٰ وَلِيِّ العهدِ له ، ومَجْرَىٰ صاحبِ السِّرِّ لَه ، وقيلَ : كانَ قِبْطِيًّا مِنْ قومِ فرعونَ ، وقيل : إنه كانَ من بني إسرائيل ، والقولُ الأولُ أَقْرَبُ ؛ لأن لَفْظَ الآلِ يقعُ على القَرَابَةِ والعشيرةِ ، انتهى . قال الثعلبيُّ : قال ابنُ عباس وأكْثَرُ العُلَمَاءِ : كانَ اسمُهُ « حَزْقِيلَ » ، وقيل : حَزِيقَال ، وقيل : غير هذا ، انتهى . وقوله : { يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِى يَعِدُكُمْ } قال أبو عُبَيْدَةَ وغَيْره : { بَعْضُ } هنا بمعنى : « كل » ، وقال الزَّجَّاج : هو إلْزَامُ الحُجَّةِ بِأَيْسَرِ ما في الأمرِ ، وليسَ فيه نَفْيُ إصَابَةِ الكُلِّ ، قال * ع * : ويظهرُ لي أنَّ المعنَىٰ : يُصِبْكُمُ القَسْمُ الواحدُ مما يَعِدُ بِهِ ، [ لأنَّه ـــ عليه السلام ـــ وَعَدَهُمْ إنْ آمَنُوا بالنَّعِيمِ ، وإنْ كَفَرُوا بالعذابِ الأَلِيمِ ، فإن كانَ صادِقاً ، فالعذابُ بَعْضُ مَا وَعَدَ بِهِ ] ، وقولُ المؤمِن : { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَـٰهِرِينَ فِى ٱلأَرْضِ } اسْتِنْزَالٌ لهم وَوَعْظٌ . وقوله : { فِى ٱلأَرْضِ } يريدُ أرْضَ مِصْرَ ، وهذه الأقوالُ تَقْتَضِي زَوالَ هَيْبَةِ فرعونَ ؛ ولذلكَ اسْتَكَانَ هُوَ ، وَرَاجَعَ بقوله : { مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَىٰ } واخْتَلَفَ الناسُ مِنَ المُرَادِ بقوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ } ، فقالَ الجمهورُ : هو المُؤْمِنُ المَذْكُورُ ؛ قَصَّ اللَّهُ تَعَالَىٰ أقاويله إلى آخر الآيات ، وقالت فرقةٌ : بلْ كَلاَمُ ذلك المُؤْمِنِ قد تَمَّ ؛ وإنما أراد تعالى : { ٱلَّذِيۤ آمَنَ } موسَى ـــ عليه السلام ـــ مُحْتَجِّينَ بقوَّةِ كَلاَمِهِ ، وذكْرِ عذابِ الآخرةِ وغير ذلك ؛ ولم يَكُنْ كَلاَمُ الأوَّلِ إلا بملاينةٍ لهم . وقوله : { مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } أي : مثلَ يَوْمٍ منْ أَيَّامِهِمْ ؛ لأنَّ عذابَهُمْ لم يكُنْ في عَصْرٍ واحِدٍ ، والمرادُ بالأحزابِ المُتَحَزِّبُونَ على الأنبياءِ ، و { مِثْلَ } الثاني : بدلٌ مِن الأوَّل ، والدَّأْبُ : العادةُ ، « ويوم التنادي » معناه : يَوْمَ يُنَادِي قَومٌ قَوْماً ، ويناديهمُ الآخرُونَ ؛ وٱخْتُلِفَ في التنادِي المُشَارِ إلَيْهِ ، فقال قتادةُ : هو نِدَاءُ أهْلِ الجَنَّةِ أَهْلَ النارِ ، { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [ الأعراف : 44 ] وقيل : هو النداءُ الذي يَتَضَمَّنهُ قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] قال * ع * : ويحتملُ أَنْ يكُونَ المُرَادُ التَّذْكِيرَ بِكُلِّ نِدَاءٍ في الْقَيَامَةِ فيه مَشَقَّةٌ على الكُفَّار والعُصَاةِ ؛ وذلك كثِيرٌ . وقرأ ابن عبَّاس والضَّحَّاك وأبو صَالِحٍ : « يوم التَنَادِّ » بشدِّ الدال ؛ وهذا معنًى آخرُ لَيْسَ من النداءِ ، بل هُو مِنْ : نَدَّ البعيرُ : إذا هَرَبَ ؛ وبهذا المعنى فسَّر ابنُ عبَّاسٍ والسُّدِّيُّ هذه الآيةَ ، وَرَوَتْ هذه الفِرْقَةُ ، في هذا المعنَىٰ حَدِيثاً أنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ إذا طَوَى السَّمَوَاتِ نَزَلَتْ مَلاَئِكَةُ كُلِّ سَمَاءٍ ، فكانَتْ صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ مستديرةً بالأرْضِ التي عليها الناسُ لِلْحِسَابِ ؛ فَإذَا رَأَى الخَلْقُ هولَ القيامةِ ، وأخْرَجَتْ جَهَنَّمُ عنقاً إلى أصحابها ، فَرَّ الكُفَّارُ ونَدُّوا مدْبِرينَ إلى كل جهةٍ ، فتردُّهم الملائِكَةُ إلَى المَحْشَرِ ؛ لا عَاصِمَ لَهُمْ ، والعاصمُ : المُنْجِي .