Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 22-25)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } يحتمل أنْ يكون من كلام الجلود ، ويحتمل أنْ يكون من كلام اللَّه عز وجل ، وجمهور الناس على أَنَّ المراد بالجلود الجلودُ المعروفةُ ، وأمَّا معنى الآية فيحتمل وجهين : أحدهما : أن يريد وما كنتم تَتَصَاونُونَ وتَحْجِزُونَ أَنْفُسَكُمْ عن المعاصي والكُفْر ؛ خوفَ أَنْ يشهد ، أو لأَجْلِ { أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ … } الآية ، وهذا هو مَنْحَىٰ مجاهد ، والمعنى الثاني أنْ يريد : وما يمكنكم ولاَ يسَعُكُمْ الاخْتفاءُ عن أَعْضَائِكُمْ ، والاستتارُ عنها بكُفْرِكُمْ ومعاصيكم ، وهذا هو مَنْحَى السُّدِّيِّ ، وعن ابن مسعود قال : " إِنِّي لمستترٌ بأستارِ الكعبةِ ، إذْ دَخَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ : قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وقُرَشِيٌّ ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلوبِهِمْ ، كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ ، فَتَحَدَّثُوا بِحَدِيثٍ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : أَترَى اللَّهَ يَسْمَعُ مَا قُلْنَا ؟ فَقَالَ الآخَرُ : يَسْمَعُ إذَا رفَعْنَا ، وَلا يَسْمَعُ إذَا أَخْفَيْنَا ، وَقَالَ الآخَرُ : إنْ كَانَ يَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئاً فَإنَّهُ يَسْمَعُهُ كُلَّهُ ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ هذه الآيةُ : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } ، وقرأ حتى بلغ : { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } " . قال الشيخ أبو محمَّدِ بْنُ أبي زَيْدٍ في آخر : « مُخْتَصَرِ المُدَوَّنَةِ » له : واعلم أنَّ [ الأجساد التي أطاعت أو عصت ، هي التي تُبْعَثُ يومَ القيامة لِتُجَازَىٰ ، والجلودُ التي كانَتْ في الدنيا ، والألسنةُ ] ، والأيْدِي ، والأرجُلُ هي التي تشهد عليهم يوم القيامة على مَنْ تشهَدُ ، انتهى . قال القرطبيُّ في « تذكرته » : واعلم أَنَّ عند أهل السنة أَنَّ تلك الأجسادَ الدُّنْيَوِيَّةَ تُعَادُ بأعيانها وأعراضِهَا بلا خلافٍ بينهم في ذلك ، انتهى ، ومعنى { أَرْدَاكُمْ } : أهلككم ، والرَّدَى : الهَلاَكُ ؛ وفي صحيحُ « البخاريِّ » و « مسلم » عن جابر قال : سمعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ قبل وفاته بثلاثٍ : " لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِّلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وذكره ابن أبي الدنيا في كتابٍ حَسَنِ الظنِّ باللَّه عز وجلَّ ، وزاد فيه : « فَإنَّ قَوْماً قَدْ أَرْدَاهُمْ سُوءُ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ ، فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ ٱلُخَـٰسِرِينَ } انتهى ، ونقله أيضاً صاحب « التذكرة » . وقوله تعالى : { فَإِن يَصْبِرُواْ } مخاطبةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم والمعنى : فإنْ يصبروا أوْ لا يَصْبِرُوا ، واقتصر لدلالة الظاهِرِ علَىٰ ما ترك . وقوله تعالى : { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } معناه : وإنْ طَلَبُوا العُتَبَىٰ ، وهي الرضَا فما هم مِمَّنْ يُعْطَاها ويَسْتَوْجِبُهَا ؛ قال أبو حَيَّان : قراءة الجمهور : « وَإنْ يَسْتَعْتِبُوا مبنيًّا للفاعل ، و : { مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } مبنيًّا للمفعول ، أي : وإِنْ يعتذروا فما هم من المَعْذُورِينَ ، انتهى . ثم وصف تعالى حالهم في الدنيا وما أصابهم به حِينَ أعرضوا ، فَحْتَّمَ عليهم ، فقال : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ } ، أي : يَسَّرْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ سَوْءٍ من الشياطين وغُوَاةِ الإنْسِ . وقوله : { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي : عَلَّمُوهم ، وقَرَّروا لهم في نفوسهم معتقداتِ سوءٍ في الأمور التي تقدَّمتهم من أمر الرسُلِ والنُبُوَّاتِ ، ومَدْحِ عبادةِ الأصنامِ ، وٱتِّباعِ فعل الآباء ، إلى غير ذلك مِمَّا يُقَالُ : إنَّه بين أيدِيهِمْ ، وذلك كلُّ ما تقدَّمهم في الزَّمَنِ ، وٱتَّصَلَ إليهم أثره أو خَبَرُهُ ، وكذلك أعطُوهُمْ معتقداتِ سوءٍ فيما خَلْفهم ، وهو كلُّ ما يأتي بَعْدَهُمْ من القيامة والبعث ونَحْوِ ذلك { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي : سبق عليهم القضاءُ الحَتْمُ ، وأَمَرَ اللَّهُ بتَعْذِيبِهِمْ في جملةِ أُمَمٍ مُعَذِّبِينَ ، كُفَّارٍ من الجنِّ والإنس . وقالت فرقة : « في » بمعنى « مع » ، أي : مع أمم ، قال * ع * : والمعنى يتأدى بالحرفين ، ولا نحتاج أنْ نجعل حرفاً بمعنى حَرْفٍ ، إذ قد أبى ذلك رؤساءُ البَصْرِيِّينَ .