Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 36-39)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } « إِمَّا » : شرطٌ وجوابُ الشرطِ قوله : { فَٱسْتَعِذْ } والنَّزْغُ : فِعْلُ الشيطانِ في قَلْبٍ أو يدٍ من إلقاءِ غَضَبٍ ، أو حقدٍ ، أو بطشٍ في اليد . فمن الغضب هذه الآية ، ومن الحقد قوله : { نَّزغَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى } [ يوسف : 100 ] ، ومن البَطْشِ قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يُشِرْ أَحَدُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ ؛ لاَ يَنْزَغُ الشَّيْطَانُ في يَدِهِ فَيُلْقِيَهُ في حُفْرَةٍ مِنْ حُفَرِ النَّارِ " ومن دعاء الشيخِ الوليِّ العارف باللَّه سبحانه ، محمَّد بن مَسَرَّة القُرْطُبِيِّ : اللَّهُمَّ ، لاَ تَجْعَلْ صدري للشيطان مَرَاغاً ، ولا تُصَيِّرْ قلبي له مجالاً ، ولا تَجْعَلْنِي ، مِمَّنِ استفزَّهُ بصوته ، وأجلب عليه بخيله ورَجْلِهِ ، وكُنْ لي من حبائله مُنْجِياً ، ومن مصائده مُنْقِذاً ، ومن غَوَايَتِهِ مُبْعِداً ، اللهم إنَّه وَسْوَسَ في القلب ، وألقى في النَّفْس ما لا يطيقُ اللِسانُ ذِكْرَهُ ، ولا تستطيعُ النَّفْس نشره مِمَّا نَزَّهَك عنه عُلُوُّ عِزِّكَ ، وسُمُوُّ مجدك ، فَأَزِلْ يا سيِّدِي ما سَطَرَ ، وٱمْحُ ما زَوَّرَ بوَابِلِ من سحائِبِ عَظَمَتِكَ وطُوفَانٍ مِنْ بِحَارِ نُصْرَتِكَ ، وٱسْلُلْ عليه سيفَ إبعادك ، وٱرْشُقْهُ بسهام إقصائِكَ ، وأحْرِقْهُ بنار ٱنتقامِكَ ، واجعل خَلاَصِي منه زائداً في حُزْنِهِ ، وَمُؤَكِّداً لأسفه ، ثم قال رحمه اللَّه : اعلم أَنَّه ربما كان العبد في خَلْوَتِهِ مشتغلاً بتلاوته ، ويجدُ في نفسه من الوسوسة ما يحولُ بينه وبين رَبِّه ، حتى لا يَجِدَ لطعمِ الذِّكْرِ حلاوةً ، ويجدَ في قلبه قساوةً ، وربما اعتراه ذلك مع الاجتهاد في قراءته ؛ وعِلَّةُ ذلك أَنَّ الذِّكْرَ ذِكْرَانِ : ذكرُ خَوْفٍ ورهبةٍ ، وذكْرُ أَمْنٍ وغفلةٍ ، فإذا كان [ الذِّكْرُ بالخَوْفِ والرهبة ، خَنَسَ الشيطانُ ، ولم يحتملِ الحَمْلَةَ ، وأذهب الوسوسة ؛ لأنَّ الذكر إذا كان ] باجتماع القلب وصِدْقِ النية ، لم يكُنْ للشيطانِ قُوَّةٌ عند ذلك ، وانقطعَتْ علائقُ حِيَلِهِ ؛ وإنَّما قُوَّتُهُ ووسوستُهُ مع الغَفْلَة ، وإذا كان [ الذِّكْرُ بالأَمْنِ والغَفْلَةِ لَمْ تفارقْهُ الوَسْوَسَةُ ، وإنِ ٱستدام العَبْدُ الذِّكْرَ والقراءةَ ؛ لأَنَّ على قلب الغافلِ غشاوةً ؛ ولا يجد ] صاحبها لطعم الذكْرِ حلاوةً ، فَتَحَفَّظْ على دينك من هذا العَدُوِّ ، وليس لك أن تزيله عن مرتبته ، ولا أَنْ تزيحَهُ عن وطنه ، وإنما أُبِيحَ لك مجاهدته ، فاستعنْ باللَّه يُعِنْك ، وثِقْ باللَّه ؛ فإنَّهُ لا يَخْذُلُكَ ؛ قال تعالَىٰ : { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ العنكبوت : 69 ] ، انتهى من تصنيفه ـــ رحمه اللَّه ـــ . وندب سبحانه في الآية المتقدمة إلى الأخذ بمكارم الأخلاق ، ووعد على ذلك ، وعَلِمَ سبحانه أَنَّ خِلْقَةَ البشر تغلب أحياناً وتَثُورُ بِهِمْ سَوْرَةُ الغضب ونَزْغُ الشيطان ؛ فَدَلَّهُمْ في هذه الآية على ما يُذْهِبُ ذلك ، وهي الاستعاذة به عزَّ وجلَّ ، ثم عَدَّدَ سبحانه آياته ؛ ليعتبر فيها ، فقال : { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } ، ثم قال تعالى : { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } : وإِنْ كانت لكم فيهما منافع ؛ لأَنَّ النفع منهما إنَّما هو بتسخير اللَّهِ إيَّاهما ، فهو الذي ينبغي أَنْ يُسْجَدَ له ، والضمير في { خَلَقَهُنَّ } قيل : هو عائد على الآيات المتقدم ذكرُهَا ، وقيل : عائد على الشمس والقمر ، والاثنان جمع ، وأيضاً جمع ما لاَ يَعْقِلُ يُؤنَّثُ ، فلذلك قال : { خَلَقَهُنَّ } ومن حيث يقال : شُمُوسٌ وأقمار ؛ لاِختلافهما بالأَيَّامِ ساغ أنْ يعود الضميرُ مجموعاً ، وقيل : هو عائد على الأربعة المذكورة . * ت * : ومن كتاب « المستغيثين باللَّه » لأبي القاسم بن بَشْكَوَال حَدَّثَ بسنده إلى أَنس بن مالك ، قال : تقرأ « حۤمۤ السجدة » ، وتَسْجُدُ عند السجدة ، وتَدْعُو ؛ فإنَّه يُسْتَجَابُ لك ، قال الراوي : وَجَرَّبْتُهُ فوجدته مُسْتَجاباً ، انتهى ، ، ثم خاطب جل وعلا نَبِيَّهُ ـــ عليه السلام ـــ بما يتضمَّن وعيدهم وحقارَة أمرهم ، وأَنَّهُ سبحانه غَنِيٌّ عن عبادتهم بقوله : { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ … } الآية ، وقوله : { فَٱلَّذِينَ } يعني بهم الملائكة هم صَافُّونَ يسبحون ، و { عِندَ } هنا ليست بظرف مكان ؛ وإِنَّما هي بمعنى المنزلة والقربةِ ؛ [ كما تقول : زَيْدٌ عنْدَ الْمَلِكِ جليلٌ ، ويُرْوَىٰ أَنَّ تَسبيحَ الملائكة قد صار لهم كالنَّفْسِ لبني آدم ، { وَلاَ يَسْـئَمُونَ } معناه : لا ] يَملُّون ، ثم ذكر تعالى آيةً منصوبةً ؛ ليعتبر بها في أمر البعث من القبور ، ويستدِلَّ بما شُوهِدَ من هذه علَىٰ ما لم يُشَاهَدْ ، فقال : { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَـٰشِعَةً … } الآية ، وخشوع الأرض هو ما يظهر عليها من استكانة وشَعَثٍ بالجَدْبِ ، فهي عابسةٌ كما الخاشِعُ عَابِسٌ يكاد يَبْكِي ، وٱهتزازُ الأرض : هو تَخَلْخُلُ أجْزَائِهَا وَتَشَقُّقُهَا للنبات ، ورُبُوُّهَا : هو انتفاخها بالماء وعُلُوُّ سطحِها به ، وعبارة البخاريِّ : اهتزت بالنبات ، ورَبَت : ارتفعَت اهـــ ، ثم ذكر تعالَىٰ بالأمر الذي ينبغي أنْ يُقَاسَ على هذه الآية ، والعبرة ، وذلك إحياء الموتى ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } والشيء في اللغة : الموجود .