Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 13-15)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلِدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً … } الآية ، المعنى : شرع لكم وبَيَّنَ مِنَ المعتقدات والتوحيدِ ما وَصَّىٰ به نوحاً قَبْلُ . وقوله : { وَٱلَّذِى } عطف على { مَا } ، وكذلك ما ذكر بَعْدُ مِنْ إقامة الدِّينِ مشروعٌ ٱتفقَتِ النُّبُوَّاتُ فِيهِ ؛ وذلك في المعتَقَدَاتِ ، وأَمَّا الأحكامُ بانفرادها فَهِيَ في الشرائعِ مختلفةٌ ، وهي المرادُ في قوله تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } [ المائدة : 48 ] وإقامة الدين هو توحيدُ اللَّهِ ورَفْضُ سِوَاهُ . وقوله تعالى : { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ } : نَهْيٌ عن المُهْلَكِ مِنْ تفرُّق الأنحاء والمذاهب ، والخيرُ كُلُّه في الأُلْفَةِ واجتماع الكلمة ، ثم قال تعالى لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ : { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } : من توحيد اللَّه ورَفْضِ الأوثان ؛ قال قتادة : كَبُرَ عليهم « لا إلٰه إلا اللَّه » وأبى اللَّه إلاَّ نَصْرها ، ثم سَلاَّه تعالَىٰ عنهم بقوله : { ٱللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ … } الآية ، أي : يختار ويصطفي ؛ قاله مجاهد وغيره و { يُنِيبُ } يرجع عنِ الكُفْرِ ويحرص على الخير ويطلبه . { وَمَا تَفَرَّقُواْ } يعني : أوائل اليهود والنصارى { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } . وقوله : { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي : بَغَىٰ بعضُهم على بَعْضٍ ، وأدَّاهم ذلك إلى اختلاف الرأْي وافتراقِ الكلمةِ ، والكلمة السابقة قال المفسرون : هي حتمه تعالى القضاءَ بأَنَّ مجازاتهم إنَّما تقع في الآخرة ، ولولا ذلك لَفَصَلَ بينهم في الدنيا ، وغَلَّبَ المُحِقَّ على المُبْطِلِ . وقوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } إشارة إلى معاصري نَبِيِّنا محمد ـــ عليه السلام ـــ من اليهود والنصارى . وقيل : هو إشارة إلى العرب ؛ والكتاب على هذا هو القرآن ، والضمير في قوله : { لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ } يحتمل أنْ يعودَ على الكتاب ، أو على محمد ، أو على الأجل المُسَمَّىٰ ، أي : في شَكٍّ من البعث ؛ على قول مَنْ رأى أَنَّ الإشارة إلى العرب ، ووَصَفَ الشَّكّ بـ { مُرِيبٍ } ؛ مبالغة فيه ، واللام في قوله تعالى : { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ } قالت فرقة : هي بمنزلة { إِلَىٰ } ؛ كأنه قال : فإلى ما وَصَّى به الأنبياءَ من التوحيدِ فَٱدْعُ ، وقالت فرقة : بل هي بمعنى « من أجل » كأنه قال : من أجلِ أَنَّ الأمر كذا وكذا ، ولكونه كذا فَٱدْعُ أَنْتَ إلى ربك ، وبَلِّغْ ما أُرْسِلْتَ به ، وقال الفخر : يعني فلأجلِ ذلك التفرُّقِ ، ولأجْلِ ما حَدَثَ من الاختلافاتِ الكثيرةِ في الدينِ فادع إلى الاتفاقِ على المِلَّةِ الحنيفيَّة ، واستقِمْ عليها وعلى الدعوة إليها ؛ كما أمرك اللَّه ، ولا تَتَّبِعْ أهواءهم الباطلة ، انتهى ، وخوطب ـــ عليه السلام ـــ بالاستقامة ، وهو قد كان مستقيماً بمعنى : دُمْ على ٱستقامتك ، وهكذا الشَّأْنُ في كُلِّ مأمورٍ بشيءٍ هو مُتَلَبِّسٌ به ، إنَّما معناه الدوام ، وهذه الآية ونحوها كانت نُصْبَ عَيْنَي النبيِّ ـــ عليه السلام ـــ ، وكانت شديدة الموقع من نفسه ، أعني قوله تعالى : { وَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } ، لأنَّها جملة تحتها جمِيعُ الطاعاتِ وتكاليفُ النبوَّة ، وفي هذا المعنَىٰ ـــ قال عليه السلام ـــ : " شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُها " ، فَقِيلَ لَهُ : لِمَ ذَلِكَ ، يَا نَبِيَّ اللَّه ؟ فَقَالَ : لأَنَّ فِيهَا : { فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } [ هود : 112 ] وهذا الخطابُ له ـــ عليه السلام ـــ بحَسَبِ قُوَّتِهِ في أمْرِ اللَّه عز وجل ، وقال : هو لأُمَّتِهِ بحسب ضعفهم : استقيموا ولن تُحْصُوا . وقوله تعالى : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } يعني : قُرَيْشاً . * ت * : وفَرَضَ الفَخْرُ هذه القَضِيَّةَ في أهْلِ الكتاب ، وذكر ما وقع من اليهود ومحاجَّتهم في دفع الحقِّ وجَحْدِ الرسالة ، وعلى هذا فالضمير في : { أَهْوَاءَهُمْ } عائدٌ عليهم ، واللَّه أعلم . اهـــ . ثم أَمَرَهُ تعالَىٰ أَنْ يَقُولَ : { آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ } ، وهو أَمْرٌ يَعُمُّ سائِرَ أمته . وقوله : { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } قالت فرقة : اللام في { لأَعْدِلَ } بمعنى : أنْ أعدل بينكم ، وقالت فرقة : المعنى وَأُمِرْتُ بما أُمِرْتُ به من التبليغ والشَّرْعِ ؛ لِكَيْ أعدلَ بينكم . وقوله : { لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } إلى آخر الآية ـــ ما فيه من مُوَادَعَةٍ منسوخٌ بآية السَّيْفِ . وقوله : { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي : لا جدال ، ولا مناظرةَ ؛ قد وَضَحَ الحق ، وأنتم تعاندون ، وفي قوله : { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } : وعيدٌ بَيِّنٌ .