Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 23-26)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ذَلِكَ ٱلَّذِى يُبَشّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ } إشارة إلى قوله تعالى في الآية الأخرى : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] . وقوله تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } اختلف الناسُ في معناه فقال ابن عباس وغيره : هي آية مَكِّيَّةٌ نزلت في صدر الإسلام ، ومعناها : استكفاف شَرِّ الكفار ودفع أذاهم ، أي : ما أسألكم على القرآن إلاَّ أَنْ تَوَدُّوني لقرابةٍ بيني وبينكم ؛ فَتَكُفُّوا عَنِّي أذاكم ، قال ابن عباس ، وابن إسحاق ، وقتادة : ولم يكن في قريش بطن إلاَّ وللنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيه نسب أو صِهْرٌ ، فالآية على هذا فيها استعطافٌ مَّا ، ودفع أذًى ، وطلبُ سلامة منهم ، وذلك كله منسوخ بآية السيف ، ويحتمل هذا التأويل أنْ يكون معنى الكلام استدعاء نصرهم ، أي : لا أسألكم غرامة ولا شيئاً إلاَّ أَنْ تَوَدُّوني لقرابتي منكم ، وأنْ تكونوا أولى بي من غيركم ، قال * ع * : وقُرَيْشٌ كُلُّها عندي قُرْبَىٰ ، وإنْ كانت تتفاضل ، وقد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال : " مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً ، ومَنْ مَاتَ عَلَىٰ بُغْضِهِم ، لَمْ يَشمَّ رَائِحَةَ الجَنَّةِ " ، وقال ابن عَبَّاس أيضاً : ما يقتضي أَنَّ الآية مَدَنِيَّةٌ ، وأَنَّ الأنصار جَمَعَتْ لرسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مالاً وساقَتْهُ إليه ، فَرَدَّهُ عليهم ، وَنَزَلَتِ الآيةُ في ذلك ، وقيلَ غَيْرُ هٰذَا ، وعلَىٰ كُلِّ قولٍ ، فٱلاِستثناءُ مُنْقَطِعٌ ، و { إِلاَّ } بمعنى « لَكِنْ » و { يَقْتَرِفْ } معناه : يَكْتَسِب ، ورَجُلٌ قُرَفَةٌ إذا كان محتالاً كسوباً و { غَفُورٌ } معناه : ساترٌ عُيُوبَ عباده ، و { شَكُورٍ } معناه : مُجِازٍ على الدقيقة من الخير ، لا يضيع عنده لعاملٍ عَمَلٌ . وقوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } « أم » هذه مقطوعةٌ مضمنة إضراباً عن كلام متقدِّم ، وتقريراً على هذه المقالة منهم . وقوله تعالى : { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } معناه ؛ في قول قتادة وفرقة من المفسرين : ينسيك القرآن ، والمراد الرَّدُّ على مقالة الكُفَّار ، وبيانُ إبْطَالِهَا ، كأَنَّهُ يقُولُ : وكيف يَصِحُّ أنْ تكون مفترياً ، وأنت من اللَّه بمرأًى ومَسْمَعٍ ؟ هو قَادِرٌ لو شاء أَنْ يختم على قلبك ؛ فلا تَعْقِلُ ، ولا تنطق ، ولا يستمرُّ افتراؤك ؛ فمقصد اللفظ : هذا المعنى ، وحُذِفَ ما يَدُلُّ عليه الظاهر ؛ اختصاراً واقتصاراً ، وقال مجاهد : المعنى : فإن يشإ اللَّه يختمْ على قلبك بالصبر لأذى الكفار ، ويربطْ عليك بالجَلَدِ ، فهذا تأويل لا يتضمَّن الردَّ على مقالتهم ؛ قال أبو حَيَّان : وذكر القُشَيْرِيُّ أنَّ الخطاب للكفار ، أي : يختم على قلبك أَيُّهَا القائلُ ؛ فيكون انتقالاً من الغيبة للخطاب ، { وَيَمْحُ } : استئنافُ إخبارٍ ؛ لا داخل في الجواب ، وتسقط الواو من اللفظ ؛ لالتقاء الساكنين ، ومن المصحف ؛ حملاً على اللفظ ، انتهى . وقوله تعالى : { وَيَمْحُ } فعل مستقبل ، خبر من اللَّه تعالى أَنَّهُ يمحو الباطل ، ولا بُدَّ إمَّا في الدنيا وإمَّا في الآخرة ، وهذا بحسب نازلة نازلة ، وكتب { يَمْحُ } في المصحف بحاء مرسلة ، كما كتبوا : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَـٰنُ } [ الإسراء : 11 ] إلى غير ذلك مِمَّا ذهبوا فيه إلى الحذف والاختصار . وقوله : { بِكَلِمَـٰتِهِ } معناه : بما سبق في قديم علمه وإرادته من كون الأشياء ، فالكلمات : المعاني القائمة القديمة التي لا تبديلَ لها ، ثم ذلك تعالى النعمة في تَفَضُّلِهِ بقبول التوبة من عباده ، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمانه وأعماله ـــ مقطوعٌ به بهذه الآية ـــ ، وأمَّا ما سلف من أعماله فينقسم ، فأمَّا التوبة من الكفر فَمَاحِيَةٌ كُلَّ ما تَقَدَّمَها من مظالم العباد الفائتة وغير ذلك ، وأمَّا التوبة من المعاصي فلأهل السُّنَّةِ فيها قولان : هل تُذْهِبَ المعاصيَ السالفةَ للعبد بينه وبين خالقه ؟ فقالت فرقة : هي مُذْهِبَةٌ لها ، وقالت فرقة : هي في مشيئة اللَّه تعالى ، وأجمعوا أَنَّها لا تُذْهِبُ مظالم العباد ، وحقيقةُ التوبة : الإقلاعُ عن المعاصِي ، والإقبالُ ، والرجوعُ إلى الطاعات ، ويلزمها النَّدَمُ عَلَىٰ ما فَاتَ ؛ والعَزْمُ على ملازمة الخَيْرَات . وقال سَرِيٌّ السِّقَطِيُّ : التوبة : العَزْمُ على ترك الذنوب ؛ والإقبالُ بالقَلْبِ على عَلاَّم الغيوب ، وقال يحيى بن مُعَاذٍ : التائبُ : مَنْ كَسَرَ شَبَابَهُ علَىٰ رأسه ، وكَسَرَ الدنيا على رأسِ الشيطان ، [ ولزم الفِطام ] حتى أتاه الحِمَام . وقوله تعالى : { عَنْ عِبَادِهِ } بمعنى مِنْ عباده ، وكأنه قال : التوبة الصادرة عن عباده ، وقرأ الجمهور : « يَفْعَلُونَ » بالياء على الغَيْبَة ، وقرأ حمزة والكسائيُّ : « تَفْعَلُونَ » بالتاء على المخاطبة ، وفي الآية توعُّد . وقوله تعالى : « ويستجيب » قال الزَّجَّاجُ وغيره : معناه : يجيبُ ، والعَرَبُ تَقُولُ : أجاب وٱسْتَجَابَ بمعنًى ، و { ٱلَّذِينَ } على هذا التأويل : مفعول « يستجيب » ، وروي هذا المعنى عن معاذِ بن جَبَلٍ ، ونحوه عن ابن عباس ، وقالت فرقة : المعنى : ويستدعي الذين آمنوا الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحات ، ودَلَّ قوله : { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } على أنَّ المعنى : فيجيبهم ، و { ٱلَّذِينَ } على هذا القول فَاعِلُ { يَسْتَجِيبُ } ، ، وقالتْ فرقة : المعنى : ويجيبُ المؤمنونَ رَبَّهم ، فـ { ٱلَّذِينَ } فاعلٌ بمعنى : يجيبُونَ دَعْوَةَ شَرْعِهِ ورسالتِهِ ، والزيادة من فضله هي تضعيفُ الحسنات ، ورُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " هِيَ قَبُولُ الشَّفَاعَاتِ في المُذْنِبِينَ ، والرِّضْوَانُ " .