Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 27-29)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ } قال عمرو بن حُرَيْثٍ وغيره : إنَّها نزلت ؛ لأَنَّ قوماً من أهل الصفَّة طلبوا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ يُغْنِيَهُمُ اللَّه ، ويبسطَ لهم الأموالَ والأرزاق ، فأعلمهم اللَّه تعالى أنَّه لو جاء الرِّزْقُ على ٱختيار البَشَر وٱقتراحهم ، لكان سَبَبَ بغيهم وإفسادهم ؛ ولكَّنه عز وجل أعلمُ بالمَصْلَحَةِ في كُلِّ أحدٍ : { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ } : بمصالحهم ، فهو ينزل لهم من الرزق القَدْرَ الذي بِهِ صَلاَحُهُمْ ؛ فرُبَّ إنْسَانٍ لاَ يَصْلُحُ ، وتَنْكَفُّ عاديته إلاَّ بالفقر . * ت * : وقد ذكرنا في هذا المختصر أحاديثَ كثيرةً مختارةً في فضل الفقراء الصابرين ـــ ما فيه كفايةٌ لمن وُفِّق ، وقد روى ابن المبارك في « رقائقه » عن سعيد بن المُسَيِّبِ قال : " جَاءَ رَجُلٌ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِجُلَسَاءِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قال : هُمُ الخَائِفُونَ ، الخَاضِعُونَ ، المُتَوَاضِعُونَ ، الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً ، قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَهُمْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ؟ قال : لا ، قَالَ : فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ ؟ قال : الفُقَرَاءُ يَسْبِقُونَ النَّاسَ إلَى الجَنَّةِ ، فَتَخْرُجُ إلَيْهِمْ مِنْهَا مَلاَئِكَةٌ ، فَيَقُولُونَ : ٱرْجِعُوا إلَى الْحِسَابِ ، فَيَقُولُونَ : عَلاَمَ نُحَاسَبُ ، وَاللَّهِ مَا أُفِيضَتْ عَلَيْنَا الأَمْوَالُ في الدُّنْيَا فَنَقْبِضَ فِيهَا وَنَبْسُطَ ، وَمَا كُنَّا أُمَرَاءَ نَعْدِلُ وَنَجُورُ ؛ وَلَكِنَّا جَاءَنَا أَمْرُ اللَّهِ فَعَبَدْنَاهُ حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ " انتهى . وقوله عز وجل : { وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ … } الآية ، تعديدُ نِعَمِ اللَّه تعالى الدَّالَّةِ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ ، وأَنَّه المولى الذي يستحقُّ أَنْ يُعْبَدُ دونَ ما سواه من الأنداد ، وقرأ الجمهور : « قَنَطُوا » بفتح النون ، وقرأ الأعمش : « قَنِطُوا » بكسرها ، وهما لغتان ، ورُوِيَ أَنَّ عمر ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قيل له : أجدبت الأرض ، وقَنِطَ النَّاس ، فقال : مُطِرُوا إذَنْ ، بمعنى أنَّ الفرج عند الشِّدَّةِ . وقوله تعالى { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } قيل : أراد بالرحمة : المطر ، وقيل : أراد بالرحمة هنا : الشمْسَ ، فذلك تعديد نعمة غير الأولى ، وذلك أَنَّ المطر إذا أَلَمَّ بعد القنط حَسُنَ موقعُهُ ، فإذا دَامَ سُئِمَ ، فتجيء الشمْسُ بعده عظيمةَ المَوْقِعِ . وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلْوَلِىُّ ٱلْحَمِيدُ } أي : مَنْ هذه أفعاله هو الذي ينفع إذا وَالَىٰ ، وتُحْمَدُ أفعاله ونعمه ، قال القُشَيْرِيُّ : اسمه تعالى : « الولي » ، أي : هو المتولِّي لأحوال عباده ، وقيل : هو من الوالي ، وهو الناصر ، فأولياءُ اللَّه أنصار دينه ، وأشياعُ طاعته ، والوليُّ : في ـــ صفة العبد ـــ مَنْ يُوَاظِبُ على طاعة رَبِّه ، ومِنْ علاماتِ مَنْ يكونُ الحَقُّ سبحانه وَلِيَّهُ ـــ أنْ يصونه ، ويكفِيَهُ في جميع الأحوال ، ويُؤَمِّنَهُ ، فيغارَ على قلبه أنْ يتعلَّقَ بمخلوقٍ في دفع شَرٍّ أو جَلْبِ نَفْعٍ ؛ بل يكونُ سبحانه هو القائِمَ عَلَىٰ قلبه في كُلِّ نَفَسٍ ، فيحقِّق آماله عند إشاراته ، ويعجِّل مَآرِبَهُ عند خَطَرَاتِهِ ، ومن أماراتِ ولايته لِعَبْدِهِ : أنْ يُدِيمَ توفيقَهُ حَتَّىٰ لو أرادَ سُوءاً ، أو قصد محظوراً ـــ عَصَمَهُ عن ٱرتكابه ، أو لو جنح إلى تقصير في طاعة ، أبَىٰ إلاَّ توفيقاً وتأييداً ، وهذا من أماراتِ السعادَةِ ، وعَكْسُ هذا مِنْ أماراتِ الشقاوة ، ، ومن أمارات ولايته أيضاً أنْ يرزقه مَوَدَّةً في قُلُوب أوليائه ، انتهى من « التحبير » . ثم ذكر تعالى الآية الكُبْرَىٰ الدَّالَّةَ على الصَّانِعِ ، وذلك خَلْقُ السمٰواتِ والأرضِ . وقوله [ تعالى ] : { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ } يتخرَّجُ علَىٰ وجوهٍ : منها : أنْ يريدَ إحْدَاهُمَا ، وهو ما بَثَّ في الأرض دونَ السمٰوات ، ومنها : أنْ يكون تعالى قد خلق في السمٰوات وبَثَّ دوابَّ لا نعلَمُهَا نَحْنُ ، ومنها : أنْ يريد الحيواناتِ التي تُوجَدُ في السحاب ، وقد تَقَعُ أحياناً كالضفادع ونحوها ؛ فَإنَّ السَّحَابَ داخل في اسم السماء . وقوله تعالى : { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ } يريد : يومَ القيامة عند الحشر من القبور .