Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 30-33)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ } قرأ جمهور القُرَّاء : « فَبِمَا » بفاء ، وكذلك هي في جُلِّ المصاحف ، وقرأ نافع وابن عامر : « بِمَا » دون فاء ، قال أبو علي الفارسيُّ : أصاب من قوله : { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ } يحتمل أنْ يكون في موضع جَزْمٍ ، وتكون « ما » شرطيةً ، وعلَىٰ هذا لا يجوزُ حَذْفُ الفاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ، وجَوَّزَ حَذْفَهَا أبو الحَسَنِ الأخْفَشُ ، وبعضُ البغداديِّينَ ؛ على أَنَّها مُرَادَةٌ في المعنى ، ويحتمل أنْ يكون « أصاب » صلة لـــ « مَا » ، وتكون « ما » بمعنى « الذي » ، وعلى هذا يتجه حذفُ الفاء وثبوتها ، لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم ، أي : لولا كَسْبُكُمْ ما أصابتكم مصيبة ، والمصيبة إنَّما هي بكسب الأيدي ، ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم ، ويجوز أنْ يُعَرَّىٰ منه ، قال * ع * : وأَمَّا في هذه الآية ، فالتلازم مُطَّرِدٌ مع الثبوت والحذف ، وأمَّا معنى الآية ، فاختلف الناسُ فيه ، فقالت فرقة : هو إخبار من اللَّه تعالى بأَنَّ الرزايا والمصائبَ في الدنيا إِنَّما هي مجازات من اللَّه تعالى على ذنوب المرء وخطاياه ، وأنَّ اللَّه تعالى يعفو عن كثير ، فلا يعاقب عليه بمصيبة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاَ يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ خَدْشُ عُودٍ ، أوْ عَثْرَةُ قَدَمٍ ، وَلاَ اخْتِلاَجُ عِرْقٍ إلاَّ بِذَنْبٍ ، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَرُ " ، وقال مُرَّةُ الهَمَدَانِيُّ : رأيتُ عَلَىٰ ظهر كَفِّ شُرَيْحٍ قُرْحَةً ، فقلتُ : ما هذا ؟ فقال : هذا بما كَسَبَتْ يَدَيَّ ، ويعفو [ اللَّه ] عن كثير ، وقيل لأبي سليمانَ الدَّارَانِيِّ : ما بالُ الفضلاء لا يَلُومُونَ مَنْ أساءَ إليهم ؟ فقال : لأَنَّهُمْ يعلَمُونَ أَنَّ اللَّه تعالى هو الذي ٱبْتَلاَهُمْ بذنوبهم ، ورَوَى عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ ، أَوْ عُقُوبَةٍ ، أوْ بَلاَءٍ في الدُّنْيَا ـــ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أنْ يُثَنِّيَ عَلَيْكُمُ الْعُقُوبَةَ في الآخِرَةِ ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ في الدُّنْيَا ، فَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِيهِ بَعْدَ عَفْوِهِ " وقال الحَسَنُ : معنى الآية في الحُدُودِ ، أي : ما أصابكم من حَدٍّ من حُدُودِ اللَّه ، فبما كسبَتْ أيديكم ، ويعفو اللَّه عن كثير ، فيستره على العبد حتى لا يُحَدَّ عليه ، ثم أَخبر تعالَىٰ عن قُصُورِ ٱبْنِ آدَمَ وَضَعْفِهِ ، وأَنَّه في قبضة القدرة لا يعجز طَلَب رَبِّه ، ولا يُمْكِنُه الفِرَارُ منه ، و « الجواري » : جمع جارية وهي السفينةُ ، و { ٱلأَعْلاَمِ } : الجبال ، وباقي الآية بَيِّنٌ ، فيه الموعظةُ وتشريفُ الصَّبَّارِ الشَّكُورِ .