Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 15-16)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ } يريد : النوع ، أي : هكذا مَضَتْ شرائِعِي وكُتُبِي ، فَهِيَ وَصِيَّةٌ من اللَّه في عباده ، وبِرُّ الوالدَيْنِ واجبٌ ، وعُقُوقُهُمَا كبيرةٌ ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ شَيْءٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ إلاَّ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّه ، وَدَعْوَةَ الْوَالِدَيْنِ " قال * ع * : ولن يَدْعُوَا في الغالب إلاَّ إذا ظلمَهُمَا الوَلَدُ ، فهذا يَدْخُلُ في عُمُومِ قوله ـــ عليه السلام ـــ : " اتَّقُوا دَعْوَةَ المَظْلُومِ ؛ فَإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ " ثم عَدَّدَ سُبْحَانَهُ عَلَى الأبْنَاءِ مِنَنَ الأُمَّهَاتِ . وقوله تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة : حملته مَشَقَّةً ، ووضعته مَشَقَّةً ، قال أبو حَيَّان : { وَحَمْلُهُ } علَىٰ حَذْفِ مضافٍ ، أي : مدَّة حمله ، انتهى . وقوله : { ثَلاَثُونَ شَهْراً } يقتضى أَنَّ مُدَّة الحمل والرَّضَاعِ هي هذه المُدَّةُ ، وفي البقرة : { وَٱلْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] فيترتب من هذا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أَشهر ، وأقلَّ ما يَرْضَعُ الطفْلُ عَامٌ وتسعَةُ أشْهُرٍ ، وإكمال الحولَيْنِ هو لمن أراد أَنْ يُتِمَّ الرضاعة ، وهذا في أمد الحَمْلِ ، هو مذهب مالك وجماعة من الصحابة ، وأقوى الأقوال في بلوغ الأَشُدِّ ستةٌ وثلاثُونَ سنَةً ، قال * ع * : وإنَّما ذكر تعالى الأربعين ؛ لأَنَّها حَدٌّ للإنسان في فلاحه ونَجَابَتِهِ ، وفي الحديث : " إنَّ الشَّيْطَانَ يَجُرُّ يَدَهُ عَلَىٰ وَجْهِ مَنْ زادَ عَلَى الأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَتُبْ ، فَيَقُولُ : بِأَبِي ، وَجْهٌ لاَ يُفْلِحُ " . * ت * : وحَدَّثَ أبو بَكْرِ ابْنُ الخَطِيبِ في « تاريخِ بَغْدَادَ » بسنده المُتَّصِلِ عن أنسٍ ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إذَا بَلَغَ الْعَبْدُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنَ البَلاَيَا الثَّلاَثِ : الجُنُونِ ، وَالجُذَامِ وَالْبَرَصِ ، فَإذا بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ الحِسَابَ ، فَإذَا بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً رَزَقَهُ اللَّهُ الإنَابَةَ لِمَا يُحِبُّ ، فَإذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، وَشُفِّعَ في أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : هَذَا أَسِيرُ اللَّهِ في أَرْضِهِ " انتهى ، وهذا ـــ واللَّه أعلم ـــ في العبد المُقْبِلِ على آخرته ، المشتغل بطاعة ربه . وقوله : { رَبِّ أَوْزِعْنِى } معناه : ادفع عني الموانع ، وأَجِرْنِي من القواطع ؛ لأجل أنْ أشكرَ نعمتك ، ويحتمل أنْ يكون { أَوْزِعْنِى } بمعنى : اجعل حَظِّي ونصيبي ، وهذا من التوزيع . * ت * : وقال الثعلبيُّ وغيره { أَوْزِعْنِى } : معناه : ألهمني ، وعبارة الفَخْر : قال ابن عباس { أَوْزِعْنِى } : معناه : ألهمني ، قال صَاحِبُ « الصِّحَاحِ » ٱسْتَوْزَعْتُ اللَّهَ فَأَوْزَعَنِي ، أي : استَلْهَمْتُهُ فألْهَمَنِي ، انتهى ، قال ابن عباس { نِعْمَتَكَ } : في التوحيد و { صَـٰلِحاً تَرْضَـٰهُ } : الصلواتِ ، والإصلاحُ في الذُّرِّيَّةِ : كونُهم أَهْلَ طاعة وخيرٍ ، وهذه الآية معناها : أَنْ هٰكَذَا ينبغي للإنسان أنْ يَكُونَ ، فهي وَصِيَّةُ اللَّه تعالى للإنسان في كُلِّ الشرائع ، وقولُ مَنْ قال : إنَّها في أبي بكر وأبويه ـــ ضعيف ؛ لأَنَّ هذه الآية نزلت بمَكَّةَ بلاَ خِلاَفٍ ، وأبو قُحَافَةَ أَسْلَمَ عامَ الفتح ، وفي قوله تعالى : { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ … } الآية : دليلٌ على أَنَّ الإشارة بقوله : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ } إنما أراد به الجِنْسَ . وقوله : { فِى أَصْحَـٰبِ ٱلْجَنَّةِ } يريد : الذين سبقت لهم رحمةُ اللَّه ، قال أبو حَيَّان { فِى أَصْحَـٰبِ ٱلْجَنَّةِ } قيل : { فِى } على بابها ، أي : في جملتهم ؛ كما تقول : أَكْرَمَنِي الأمِيرُ في نَاسٍ ، أي : في جملةِ مَنْ أَكْرَمَ ، وقيل : { فِى } بمعنى مع ، انتهى .