Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 20-22)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله عز وجل : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ … } الآية ، المعنى : واذكر يومَ يُعْرَضُ ، وهذا العرض هو بالمباشرة { أَذْهَبْتُمْ } أي : يقال لهم : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } و « الطَّيِّبَاتُ » هنا : المَلاَذُّ ، وهذه الآية ، وإنْ كانت في الكُفَّار ، فهي رادعة لأُولي النُّهَىٰ من المؤمنين عن الشهوات واستعمالِ الطَّيِّبَاتِ ؛ ومن ذلك قولُ عُمَرَ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ : أتَظُنُّونَ أَنَّا لا نَعْرِفُ طَيِّبَ الطَّعَامِ ؟ ذلك لُبَابُ البُرِّ بِصِغَارِ المِعْزَىٰ ، ولكنِّي رأيتُ اللَّه تعالى نَعَىٰ عَلَىٰ قومٍ أَنَّهم أَذْهَبُوا طَيِّبَاتِهِمْ في حياتِهِمُ الدنيا ، ذكَرَ هذا في كلامِهِ مع الرَّبيع بْنِ زِيَادٍ ، وقال أيضاً نحو هذا لخالد بن الوَلِيدِ حينَ دَخَلَ الشَّامَ ، فَقُدِّمَ إليه طعام طَيِّبٌ ، فقال عمر : هذا لنا ، فما لفقراءِ المسلمينَ الَّذِينَ ماتوا ولم يَشْبَعُوا من خُبْزِ الشَّعِير ؟ فقال خالدٌ : لَهُمُ الجَنَّةُ ، فبكَىٰ عُمَرُ ، وقال : لَئِنْ كَانَ حَظُّنَا في الحُطَامَ ، وذَهَبُوا بالجَنَّةِ ـــ فَقَدْ بَانُوا بُوْناً بَعِيداً ، وقال جابرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : اشتريت لحماً بدرهم ، فرآني عمر ، فقال : أَوَكُلَّمَا اشْتَهَىٰ أَحَدُكم شَيْئاً اشتراه فأكَلَهُ ؟ ! أما تخشَىٰ أنْ تكون من أهل هذه الآية ، وتلا : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } * ت * : والآثار في هذا المعنى كثيرةٌ جِدًّا ، فمنها ما رواه أبو داود في سُنَنِهِ ، عن عبد اللَّه بن بُرَيْدَةَ أَنَّ رجُلاً من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، رَحَلَ إلى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، وهو بِمَصْرَ ، فَقَدِمَ عليه ، فقال : أَمَا إنِّي لم آتِكَ زَائِراً ولكنْ سَمِعْتُ أَنا وأَنْتَ حَدِيثاً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، رَجَوْتُ أَنْ يكونَ عندَكَ منْهُ عِلْمٌ ، قال : ما هو ؟ قال : كذا وكذا ، قال : فمالي أَرَاكَ شَعْثاً وأَنْتَ أَمِيرُ الأَرْضِ ؟ ! قال : إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، كان ينهَىٰ عن كثيرٍ من الإرفَاهِ ، قال : فمالي لا أرَىٰ عَلَيْكَ حِذَاءً ؟ قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، يأمرنا أَنْ نَحْتَفِيَ أحياناً ، وروَىٰ أبو داوُدَ عَنْ أَبي أُمَامَةَ قال : " ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، يوماً عنده الدنيا ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ تَسْمَعُونَ أَنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإيمَانِ ؟ إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإيمَانِ ، إن الْبَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ » " قال أبو داوُدَ : يعني : التَّقَحُّلَ ، وفسر أبو عمر بن عبد البَرِّ : « البَذَاذَةَ » بِرَثِّ الْهَيْئَةِ ، ذكر ذلك في « التمهيد » ، وكذلك فَسَّرَهَا غيره ، انتهى ، ، وروى ابن المبارك في « رقائقه » من طريق الحسن عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَرَجَ في أَصْحَابِهِ إلَى بَقِيعِ الغَرْقَدِ ، فَقَالَ : " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُم ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَىٰ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : هَؤُلاَءِ خَيْرٌ مِنْكُمْ ؛ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إخْوانُنَا ، أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا ، وَهَاجَرْنَا كَمَا هَاجَرُوا ، وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا ، وَأَتَوا عَلَىٰ آجَالِهِمْ فَمَضَوْا فِيهَا وَبَقِينَا في آجالِنَا ، فَمَا يَجْعَلُهُمْ خَيْراً مِنَّا ؟ ! قال : هَؤُلاَءِ خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَأْكُلُوا مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً ، وَخَرَجُوا وَأَنا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ ، وإنَّكُمْ قَدْ أَكَلْتُمْ مِنْ أُجُورِكُمْ ، وَلاَ أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ مِنْ بَعْدِي ؟ قال : فَلَمَّا سَمِعَهَا الْقَوْمُ عَقَلُوهَا وَانْتَفَعُوا بِهَا ، وَقَالُوا : إنَّا لَمُحاسَبُونَ بِمَا أَصَبْنَا مِنَ الدُّنْيَا ، وَإنهُ لَمُنْتَقَصٌ بِهِ مِنْ أُجُورِنَا " انتهى ، ومنها حديثُ ثَوْبَانَ في « سنن أَبي دَاوُدَ » : قال ثَوْبَانُ : كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَافَرَ كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ بِإنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ فَاطِمَةَ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَاطِمَةَ ، فَقَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ ، وَقَدْ عَلَّقَتْ مِسْحاً أوْ سِتْراً عَلىٰ بَابِهَا ، وَحَلَّتِ الحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ قُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ ، فَلَمْ يَدْخُلْ ، فَظَنَّتْ أَنَّما مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَا رَأَىٰ ؛ فَهَتَكَتِ السِّتْرَ ، وَفَكَّتِ القُلْبَيْنِ عَنِ الصَّبِيَّيْنِ وَقَطَعَتْهُمَا عَنْهُمَا ، فَٱنْطَلَقَا إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْكِيَانِ ، فَأَخَذَهُمَا مِنْهُمَا ، وَقَالَ : يَا ثَوْبَانُ ، ٱذْهَبْ بِهِمَا إلَى آلِ فُلاَنٍ ؛ إنَّ هَؤُلاَءِ أَهْلِي أَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلُوا طَيِّبَاتِهِمْ في حَيَاتِهُمْ الدُّنْيَا ، يَا ثَوْبَانُ ، ٱشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قَلاَدَةً مِنْ عَصْبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ » انتهى ، * ص * : قرأ الجمهور : « أَذْهَبْتُمْ » على الخبر ، أي : فيقال لهم : أذهبتم طَيِّبَاتكم ، وابن كثير بهمزة بعدها مَدَّة مُطَوَّلَةً ، وابن عامر بهمزتين حَقَّقَهما ابن ذَكْوَانَ ، ولَيَّنَ الثانيةَ هشامٌ وابن كثير في روايةٍ ، والاستفهامُ هنا على معنى التوبيخ والتقريرِ ، فهو خبر في المعنَىٰ ، ولهذا حَسُنَتِ الفاء في قوله : { فَٱلْيَوْمَ } ، ولو كان ٱستفهاماً مَحْضاً لما دخلَتِ الفاء ، انتهى ، و { عَذَابَ ٱلْهُونِ } هو الذي اقترن به هوانٌ ، فالهُونُ والهَوَانُ بمعنى . ثم أمر تعالى نِبِيَّه بذكر هود وقومه عادٍ ؛ على جهة المثال لقريشٍ ، وقد تقدَّم قَصَصَ عادٍ مُسْتَوفًى في « سورة الأعراف » ، فلينظر هناك ، والصحيحُ من الأقوال أَنَّ بلادَ عادٍ كانت باليمن ، ولهم كانَتْ إرَمُ ذاتُ العمادِ ، و { بِٱلأَحْقَافُ } : جَمْعُ « حِقْفٍ » وهو الجبل المستطيل المُعْوَجُّ من الرَّمْلِ . وقوله سبحانه : { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } { خَلَتِ } معناه : مَضَتْ إلى الأرض الخَلاَءِ ، و { ٱلنُّذُرُ } جمع نَذِيرٍ ، وقولهم : { لِتَأْفِكَنَا } معناه : لِتَصْرِفَنَا ، وقولهم : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } تصميم منهم على التكذيب ، وتعجيزٌ له في زعمهم .