Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 16-21)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ } يعني بذلك : المنافقين { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفاً } ؛ عَلَى جِهَةِ الاسْتِخْفَاف ، ومنهم مَنْ يقوله جهالةً ونسياناً ، و { ءَانِفاً } معناه : مبتدئاً ، كأَنَّه قال : ما القولُ الذي ٱئْتَنَفَهُ الآنَ قَبْلَ ٱنفصالِنَا عَنْهُ ، والمفسِّرون يقولون : { ءَانِفاً } معناه : الساعةَ الماضيةَ ، وهذا تفسيرٌ بالمعنى . * ت * : وقال الثعلبيُّ : { ءَانِفاً } أي : الآنَ ، وأصله الابتداء ، قال أبو حَيَّان : { ءَانِفاً } بالمدِّ والقَصْرِ : اسمُ فاعِل ، والمُسْتَعْمَلُ من فعله : ٱئْتَنَفْتُ ، ومعنى : { ءَانِفاً } مبتدئاً ، فهو منصوبٌ على الحال ، وأعربه الزَّمْخَشْرِيُّ ظَرْفاً ، أي : الساعةَ ، قال أبو حَيَّان : ولا أعلم أحداً من النحاة عَدَّه مِنَ الظُّرُوفِ ، انتهى ، وقال العِرَاقِيُّ : { ءَانِفاً } أي : الساعة . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } أي : زادهم اللَّه هدى ، ويحتمل : زادهم استهزاءُ المنافقين هُدًى ، قال الثعلبيُّ : وقيل : زَادَهُمْ ما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم هُدًى ؛ قال * ع * : الفاعل في { وَأَتَـٰهُمْ } يتصرَّفُ القولُ فيه بحسب التأويلاتِ المذكورةِ ، وأقواها أنَّ الفاعِلَ اللَّهُ تعالى ، { وَأَتَـٰهُمْ } معناه : أعطَاهُمْ ، أي : جعلهم مُتَّقِينَ . وقوله تعالى : { فَهَلْ يَنظُرُونَ } يريد : المنافقين ، والمعنى : فهل يَنْتَظِرُونَ ؟ و { بَغْتَةً } معناه فجأة . وقوله : { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } أي : فينبغي الاستعدادُ والخوفُ منها ، والذي جاء من أشراط الساعة : محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ؛ لأَنَّه آخر الأنبياء ، وقال ـــ عليه السلام ـــ : " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " والأحاديثُ كثيرةٌ في هذا الباب . وقوله تعالى : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ … } الآية : إضرابٌ عن أمْرِ هؤلاء المنافقين ، وذكر الأَهَمِّ من الأمر ، والمعنى : دُمْ علَىٰ عِلْمِكَ ، وهذا هو القانُونُ في كُلَّ مَنْ أُمِرَ بشيْء هو مُتَلَبِّسٌ به ، وكُلُّ واحدٍ مِنَ الأُمَّةِ داخلٌ في هذا الخِطابِ ، وعن أبي هريرةَ قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " مَا قَالَ عَبْدُ : لاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ مُخْلِصاً ، إلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ ، حَتَّىٰ تُفْضِيَ إلَى الْعَرْشِ مَا ٱجْتُنِبَتْ الكَبَائِرُ " ، رواه الترمذي والنسائيُّ ، وقال الترمذيُّ واللفظ له : حديث حسن غريب ، انتهى من « السلاح » . وقوله تعالى : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } أي : لِتَسْتَنَّ أُمَّتُكَ بِسُنَّتِكَ . * ت * : هذا لفظ الثعلبيِّ ، وهو حَسَنٌ ، وقال عِيَاضٌ : قال مَكِّيٌّ : مخاطبةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ههنا هي مخاطبةٌ لأُمَّتِهِ ، انتهى . قال * ع * : وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ ، فَليَسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ " وبَوَّبَ البخاريُّ ـــ رحمه اللَّه ـــ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ ؛ لقوله تعالى : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } . وقوله تعالى : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ … } الآية : وواجبٌ على كل مؤمن أنْ يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ؛ فإنَّها صَدَقَةٌ ، وقال الطبريُّ وغيره : { مُتَقَلَّبَكُمْ } : مُتَصَرَّفَكُمْ في يقظتكم { وَمَثْوَاكُمْ } منامكم ، وقال ابن عباس : { مُتَقَلَّبَكُمْ } تَصَرُّفُكُمْ في حياتكم الدنيا { وَمَثْوَاكُمْ } : إقامتكم في قبوركم ، وفي آخرتكم . وقوله عز وجل : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ … } الآية : هذا ابتداءُ وَصْفِ حالِ المؤمنينَ ؛ عَلىٰ جهة المَدْحِ لهم ، ووصفِ حالِ المنافقين ؛ على جهة الذَّمِّ ؛ وذلك أَنَّ المؤمنين كان حرصهم على الدين يبعثهم على تَمَنِّي ظهور الإسلامِ وتمنِّي قتال العدوِّ ، وكانوا يأنسونَ بالوحي ، ويستوحشون إذا أبطأ ، وكان المنافقون على العكس من ذلك . وقوله : { مُّحْكَمَةٌ } معناه : لا يقعُ فيها نسخ ، وأَمَّا الإحكام الذي هو الإتقان ، فالقرآن كلُّه سواءٌ فيه ، والمرض الذي في قلوب المنافقين هو فَسَادُ مُعْتَقَدِهِمْ ، ونظر الخائف المولَّه قريبٌ من نظر المَغْشِيِّ عليه ، وَخَسَّسَهُمْ هذا الوصف والتشبيه . وقوله تعالى : { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ * طَاعَةٌ } « أَوْلَىٰ » : وزنها أَفْعَلُ ، من وَلِيَكَ الشَّيْءُ يَلِيكَ ، والمشهورُ من ٱستعمالِ أَوْلَىٰ أَنَّك تقول : هذا أَوْلَىٰ بك من هذا ، أي : أَحَقُّ ، وقد تَسْتَعْمِلُ العرب « أَوْلَىٰ لكِ » فقطْ على جهة الاختصار ، لما معها من القول على جهة الزَّجْرِ والتَّوَعُّدِ ، فتقول : أوْلَىٰ لَكَ يا فُلاَنُ ، وهذه الآية من هذا الباب ؛ ومنه قوله تعالى : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } [ القيامة : 34 ] وقالت فرقة : { فَأَوْلَىٰ } رُفِعَ بالابتداء ، و { طَاعَةٌ } خبره ، قال * ع * : وهذا هو المشهورُ منِ ٱستعمال « أَوْلَىٰ » ، وقيل غير هذا ، قال أبو حيَّان : قال صاحب « الصِّحَاحِ » : { أَوْلَىٰ لَكَ } : تهديدٌ ووعيدٌ ، قال أبو حَيَّان : والأكثر على أَنَّه اسم مُشْتَقٌّ من الوَلي ، وهو القُرْبُ ، وقال الجُرْجَانِيُّ : هو مأخوذ من الوَيْلِ ، فَقُلِبَ ، فوزنه « أَفْلَعْ » ، انتهى . { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } : ناقضوا وعصَوْا ، قال البخاريُّ : قال مجاهد : { عَزَمَ ٱلأَمْرُ } جَدَّ الأَمْرُ . انتهى .