Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 27-30)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً … } الآية : ٱتْلُ : معناه : ٱسْرُدْ وأَسْمِعْهم إياه ، وهذه مِنْ علوم الكتب الأُوَلِ ، فهي مِنْ دلائل نبوَّة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ؛ إذْ هي من غامِضِ كتب بني إسرائيل . قال الفَخْر : وفي الآية قولان : أحدهما : ٱتْلُ على الناس . والثاني : ٱتْلُ على أهْلِ الكتابِ . انتهى . و { ٱبْنَيْ ءَادَمَ } : هما لصلبه ، وهما هَابِيلُ وقَابِيلُ ، روت جماعة من المفسِّرين منهم ابن مسعود ؛ أنَّ سبب هذا التقريبِ أنَّ حوَّاء كانت تَلِدُ في كلِّ بطْن ذكراً وأنثَىٰ ، وكان الذَّكَر يتزوَّج أنثَى البطْن الآخر ، ولا تحلُّ له أخته توأمتُهُ ، فولدَتْ مع قابيلَ أختاً جميلةً ، ومع هابيلَ أختاً ليست كذلك ، فلمَّا أراد آدم أن يزوِّجها من هَابِيلَ ، قال قابيل : أنا أحَقُّ بأختي ، فأمره آدم ، فلم يأتمر ، فاتفقوا على التَّقْريب ، فتُقُبِّل قربانُ هابيلَ ، ووجب أنْ يأخذ أخت قابيلَ ؛ فحينئذٍ : { قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ } ، وقولُ هابيلَ : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } : كلامٌ ، قبله محذوفٌ ، تقديره : ولِمَ تقتلُنِي ، وليس لي ذنُبٌ في قبول اللَّه قربانِي ، وإنما يتقبَّل اللَّه من المتَّقين ؟ ! وإجماع أهل السُّنَّة في معنى هذه الألفاظ : أنها اتقاء الشِّرْكِ ، فمن اتقاه ، وهو موحِّد ، فأعماله التي تَصْدُقُ فيها نيتُه مقبولةٌ ، وأما المتَّقِي للشرْكِ وللمعاصِي ، فله الدرجةُ العليا من القَبُول والخَتْم بالرحمة ، عُلمَ ذلك بإخبار اللَّه تعالى لا أنَّ ذلك يَجِبُ على اللَّه تعالَىٰ عقْلاً . قلتُ : قال * ع * : في معنى هذه الألفاظ ( يعني حيث وقعت في الشرع ) ، وأما في هذه الآية ، فليس بٱتِّقَاءِ شرك ؛ على ما سيأتي ، وقولُ هابيلَ : { مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ … } الآية : قال عبد اللَّه بن عمر ، وجمهورُ النَّاس : كان هابيلُ أشَدَّ قوةً من قابيلَ ، ولكنَّه تحرَّج ، وهذا هو الأظهر . قال * ع * : ومن هنا يقوَىٰ أن قابيل إنما هو عاصٍ ، لا كافر ؛ لأنه لو كان كافراً ، لم يكن للتحرُّج هنا وجهٌ ، و { تَبُوَأ } : معناه : تمضِي متحمِّلاً ، وقوله : { بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } : قيل : معناه : بإثم قَتْلي وسائرِ آثامك ، وقيل : المعنى : بإثمي الذي يختصُّ بي فيما فَرَط لي ، وهذا تأويلٌ يَعْضُدُه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " يُؤْتَىٰ بِالظَّالِمِ وَالمَظْلُومِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ ، فَتُزَادُ فِي حَسَنَاتِ المَظْلُومِ حَتَّىٰ يَنْتَصِفَ ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ ، أُخِذَ من سَيِّئَاتِ المَظْلوم ، فتُطْرح عليه " . وقوله : { وَذَلِكَ جَزَٰؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يحتملُ : أن يكون مِنْ قول هابيلَ لأخيه ، ويحتمل : أن يكون إخباراً من اللَّه تعالَىٰ لمحمَّدـــ عليه السلام ـــ ، قال الفَخْر : وقوله تعالى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } قال المفسرون : معناه : سَهَّلَتْ له نفسه قَتْل أخيه . انتهى . وقوله سبحانه : { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } : أصْبَحَ : عبارةٌ عن جميعِ أوقاتِهِ ، وهذا مَهْيَعُ كلامِ العرب ؛ ومنه : [ المنسرح ] @ أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَح … البَيْتَ @@ وقول سعد : فَأَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي ، إلى غير ذلك مِن ٱستعمال العرب ، ومِنْ خسرانِ قابيلَ ما صحَّ ، وثبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قَالَ : " مَا قُتِلَتْ نَفْسٌ ظُلْماً إلاَّ كَانَ عَلَى ٱبْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا " ؛ وذلك لأنه أول مَنْ سَنَّ القتل .