Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 33-34)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { إِنَّمَا جَزَٰؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } الآية : روَىٰ أنس بن مالك وغيره : « أن الآية نزلَتْ في قومٍ مِنْ عُكْلٍ وعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَسْلَمُوا ، ثم إنهم مَرِضُوا ، وٱسْتَوْخَمُوا المدينَةَ ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنْ يَكُونُوا فِي لقَاح الصَّدَقَةِ ، وَقَالَ : " ٱشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا " ، فخرَجُوا فِيهَا ، فَلَمَّا صَحُّوا ، قَتَلُوا الرَّاعِيَ ، وَٱسْتَاقُوا الإبِلَ ، فَبَلَغَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَبَرُهُمْ ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ ، فَأُخِذُوا ، قَالَ جَمِيعُ الرُّوَاةِ : فَقَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلاَفٍ ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ، ـــ ويُرْوَىٰ : وَسَمَلَ ـــ وَتَرَكَهُمْ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ ، يَسْتَسْقُونَ ، فَلاَ يُسْقَوْنَ » ، فقيل : إن هذه الآية ناسخةٌ لفعْله صلى الله عليه وسلم بالعُرَنِيِّينَ ، ووقَف الأمْر علَىٰ هذه الحدودِ . وقال جماعةٌ : إنها غير ناسخةٍ لذلك الفعْل ؛ لأن العرنيين مرتدُّون ، لا سيَّما ، وفي بعض الطُّرُق ؛ أنهم سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ ، وقالوا : هذه الآيةُ هي في المحارِبِ المُؤْمِنِ . قال مالك : المُحَارِبُ عندنا : مَنْ حَمَلَ على الناس السلاحَ فِي مِصْرٍ أو بَرِّيَّةٍ ، فكابرهم عن أنفسهم وأموالهم ، دون نَائِرَةٍ ، ولا دَخلٍ ، ولا عداوةٍ ؛ وبهذا القولِ قال جماعةٌ من أهل العِلْمِ ، قالوا : والإمامُ مخيَّرٌ فيه بأن يعاقبه بما رأَىٰ مِنْ هذه العقوبات ، فأما قَتْلُ المحارِبِ ، فبالسَّيْف ضربةً للعنُق ، وأما صَلْبه ، فبعد القتْلِ عند جماعة ، وقال جماعة : بل يُصْلَبُ حيًّا ، ويُقْتلُ بالطعن على الخَشَبة ، وروي هذا عن مالك ، وهو الأظهر من الآيةِ ، وهو الأَنْكَىٰ في النكال ، وأما القَطْع ، فاليد اليمنَىٰ من الرُّسْغ والرِّجْل الشِّمال من المَفْصِلِ . وقوله سبحانه : { أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ } : الظاهر : أن الأرض في هذه الآية هي أرضُ النازلة ، وقد جنب الناس قديماً الأرض التي أصابُوا فيها الذُّنُوب ؛ ومنه حديثُ الذي نَاءَ بصَدْره نحو الأرْضِ المقدَّسة ، وينبغي للإمام ، إنْ كان هذا المحارِبُ المنفيُّ مخُوفَ الجانِبِ ، يظنُّ به أن يعود إلى حِرابةٍ وإفسادٍ ـــ أنْ يسجنه في البلد الذي يغرب إلَيْهِ ، وإنْ كان غير مخُوفِ الجانبِ ، ترك مسرَّحاً ، وهذا هو صريحُ مذهب مالك . وقوله تعالى : { ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا } الآية : إشارة إلى هذه الحدود التي تُوقَعُ بهم ، فيحتمل الخزي لمن عوقب ، وعذاب الآخرة لمن سَلِمَ في الدنيا ، وبالجملة فهم في المشيئة . وقوله سبحانه : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } : استثنَىٰ عز وجل التائِبَ قبل أنْ يُقْدَرَ عليه ، وأخبر سبحانه بِسُقُوطِ حقوقِهِ عنْه ؛ بقوله : { فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، والعلماءُ علَىٰ أن الآية في المؤمنين ، ويؤخذ المحارِب بحقوقِ الناسِ ، وإن تاب ؛ هذا هو الصحيح .