Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 87-89)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ … } الآية : قال ابن عباس وغيره نزلَتْ بسبب جماعةٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلغَتْ منهم المواعظ ، وخوفُ اللَّه تعالَىٰ إلى أنْ حرَّم بعضهم النساء ، وبعضُهم النوْمَ بالليلِ ، والطِّيبَ ، وهَمَّ بعضهم بالاختصاءِ ، فبلَغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أَمَّا أنَا فَأَقُومُ وَأَنَامُ ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وآتِي النِّسَاءَ ، وَأَنَالُ الطِّيبَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي ، فَلَيْسَ مِنِّي " ، قال الطبريُّ : كان فيما يتلَىٰ : « مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِكَ ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِكَ ، وَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ » ، والطيباتُ في هذه الآية : المستلَذَّات ؛ بدليل إضافتها إلَىٰ ما أحلَّ اللَّه ؛ وبقرينة ما ذُكِرَ من سبب الآية . وقوله سبحانه : { وَلاَ تَعْتَدُواْ } ، قال عكرمة وغيره : معناه : في تحريم ما أحلَّ اللَّه ، وقال الحسنُ بنُ أبي الحَسَنِ : المعنَىٰ : ولا تعتدُوا ، فَتُحِلُّوا ما حرَّم اللَّه ، فالنهْيَان علَىٰ هذا تضمَّنا الطرفَيْن ؛ كأنه قال : لا تشدِّدوا ؛ فتحرِّموا حلالاً ، ولا تترخَّصوا ؛ فتحلُّوا حراماً ، قلتُ : وروى مالكٌ في « الموطإ » ، عن أبي النَّضْر ، قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، لَمَّا ماتَ عثمانُ بْنُ مظعونٍ ، ومُرَّ بجَنَازَتِهِ : " ذَهَبْتَ ، وَلَمْ تَلْتَبِسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ " . قال أبو عمر في « التمهيد » : هذا الحديثُ في « الموطإ » مقطوعٌ ، وقد رُوِّينَاه متصلاً مُسْنَداً من وجه صالحٍ حسن ، ثم أسند أبو عمر عن عائشةَ ، قالَتْ : " لمَّا ماتَ عُثْمَانُ بنُ مظعونٍ ، كشف النبيُّ صلى الله عليه وسلم الثَّوْبَ عن وجْهِهِ ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَبَكَىٰ بُكَاءً طويلاً ، فلما رُفِعَ عَلَى السَّرِيرِ ، قَالَ : طُوبَىٰ لَكَ يَا عُثْمَان لَمْ تَلْبَسْكَ الدُّنْيَا وَلَمْ تَلْبَسْهَا " . قال أبو عمر : كان عثمانُ بنُ مظعونٍ أحد الفُضَلاء العُبَّاد الزاهدين في الدنْيَا من أصْحَاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المتبتِّلين منهم ، وقد كان هو وعليُّ بن أبي طالب هَمَّا أنْ يترهَّبا ويَتْرُكَا النساء ، ويُقْبِلا على العبادة ، ويحرِّما طيِّباتِ الطعامِ علَىٰ أنفسهما ، فنزلَتْ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ … } الآية . ونقل هذا مَعْمَرٌ وغيره عن قتادة . انتهى . وقوله سبحانه : { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَـٰنَ } : معناه : شدَّدتم ، وعَقْدُ اليمينِ كَعَقْدِ الحبل والعهدِ ؛ قال الحطيئة : [ البسيط ] @ قَوْمٌ إذَا عَقَدُوا عَقْداً لِجَارِهِمُ شَدُّوا الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا @@ قال الفَخْر : وأما وجه المناسبة بَيْنَ هذه الآية والَّتي قبلها ، فهو ما تقدَّم مِنْ أنَّ قوماً من الصحابة ( رضي اللَّه عنهم ) حَرَّموا علَىٰ أنفسهم المطاعِمَ والمَلاَذَّ ، وحلفوا على ذلك ، فلمَّا نهاهم اللَّه تعالَىٰ عن ذلك ، قالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فكيف نصنع بأَيْمَانِنَا ؟ فأنزل اللَّه تعالَىٰ هذه الآية . انتهى . وقوله سبحانه : { فَكَفَّـٰرَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ } ، أي : إشباعهم مرةً واحدةً ، وحكم هؤلاءِ ألاَّ يتكرَّر واحدٌ منهم في كفَّارة يمينٍ واحدةً . واختلفَ في معنَىٰ قوله سبحانه : { مِنْ أَوْسَطِ } ، فرأَىٰ مالك وجماعةٌ معه هذا التوسُّط في القَدْر ، ورأى ذلك جماعةٌ في الصِّنْف ، والوَجْهُ أن يُعَمَّ بلفظ « الوسَطِ » القَدْرُ والصِّنْفُ ، فرأَىٰ مالكٌ أنْ يُطْعَمَ المسكينُ بـ « المدينة » مُدًّا بمُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وذلك رِطْلٌ وثُلُثٌ ، وهذا لضيقِ المعيشة بالمدينة ، ورأَىٰ في غيرها أنْ يتوسَّع ، ورأَىٰ من يقول : إنَّ التوسُّط إنما هو في الصِّنْف أنْ يكون الرجُلُ المكفِّر يتجنب أدنَىٰ ما يأكل الناس في البلد ، وينحطُّ عن الأعلَىٰ ، ويكفِّرُ بالوَسَط من ذلك ، ومذهب « المدونة » ؛ أنْ يراعي المكفِّر عيش البلد ، وتأويلُ العلماء في الحانث في اليمين باللَّه : أنه مخيَّر في الإطعام ، أو الكُسْوة ، أو العِتْق ، والعلماءُ على أنَّ العتق أفضلُ ذلك ، ثم الكسوة ، ثم الإطعام ، وبدأ اللَّه تعالَىٰ عباده بالأيسر ، فالأيسر ، قال الفَخْر : وبدأ سبحانه بالإطعام ؛ لأنه أعمُّ وجوداً ، والمقصودُ منه التنبيهُ علَىٰ أنه سبحانه يُرَاعِي التخفيفَ ، والتسهيلَ في التكاليفِ ، وثانيها : أنَّ الإطعام أفضلُ ، قلتُ : وهذا هو مشهورُ مذهب مالكٍ . انتهى ، ويجزىء عند مالكٍ من الكُسْوَة في الكفارة ما يجزىءُ في الصَّلاة . وقوله سبحانه : { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ، أيْ : مؤمنة ؛ قاله مالك وجماعةٌ ؛ لأن هذا المطْلَق راجعٌ إلى المقيدِ في عِتْقِ الرقبة في قَتْل الخطإ . وقوله سبحانه : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } : معناه : لم يجدْ في ملكه أحد هذه الثلاث المذكورة . واختلفَ العلماءُ في حدِّ هذا العادِمِ ، ومتَىٰ يصحُّ له الصيام ؛ فقال الشافعيُّ ومالكٌ وجماعة من العلماء : إذا كان المكفِّر لا يملك إلاَّ قوته ، وقُوتَ عياله ، يَوْمَهُ وليلته ، فله أنْ يصوم ، فإن كان عنده زائدٌ علَىٰ ذلك مَا يُطْعِم عشرةَ مساكينَ ، لزمه الإطعام ، قال الطبريُّ : وقال آخرون : جائز لِمَنْ لم يكُنْ له فضْلٌ علَىٰ رأس ماله الذي يتصرَّف به في معايشه ؛ أنْ يصوم ، وقرأ أبيُّ بن كعبٍ ، وابن مسعود : « ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ » ، وقال بذلك جماعة . وقال مالك وغيره : إن تابع ، فحَسَنٌ ، وإن فرق ، أجزأ ، وقوله : { إِذَا حَلَفْتُمْ } ، معناه : وأردتم الحِنْثَ ، أو وَقَعْتُمْ فيه .