Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 18-22)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ … } الآية ، قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : يكتب الملكانِ جميعَ الكلام ، فيثبت اللَّه من ذلك الحسناتِ والسيئات ، ويمحو غيرَ هذا ، وهذا هو ظاهر هذه الآية ، قال أبو الجوزاء ، ومجاهد : يكتبان عليه كُلَّ شيء حتى أنينه في مرضه ، وقال عِكْرَمَةُ : يكتبان الخير والشَّرَّ فقط ؛ قال * ع * : والأوَّلُ أصوب . * ت * : وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال : " كُلُّ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ ، إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً ، فَأَحَبَّ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّه ، فَلْيَأْتِ ، فَلْيَمُدَّ يَدَيْهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ ، إنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْهَا ، لاَ أَرْجِعُ إلَيْهَا أَبَداً ، فَإنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ في عَمَلِهِ ذَلِكَ " رواه الحاكم في « المستدرك » ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، يعني البخاريَّ ومسلماً ، انتهى من « السِّلاح » ، قال النَّوَوِيُّ ـــ رحمه اللَّه تعالى ـــ : ينبغي لكل مُكَلَّفٍ أَنْ يحفظ لسانه من جميع الكلام إلاَّ كلاماً تظهر فيه مصلحته ، ومتى استوى الكلامُ وتركه بالمصلحة فالسُّنَّةُ الإمساكُ ؛ فإنَّهُ قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه ، وهذا هو الغالب ، والسلامة لا يعدلها شيءٌ ، وقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاريُّ ومسلم أَنَّه قال : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ " وهو نَصٌّ صريح فيما قلناه ، قال : ورُوِّينَا في « كتاب الترمذيِّ » و « ابن ماجه » عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال : " مِنْ حُسْنِ إسْلاَم المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ " قال الترمذيُّ : حديث حسن ، وفيه عن عُقْبَةَ بن عامر " قلت : يا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وٱبْكِ عَلَىٰ خَطِيئَتِكَ " قال الترمذيُّ : حديث حسن ، وفيه عنه صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، دَخَلَ الجَنَّةَ " قال الترمذيُّ : حديث حسن ، انتهى ، والرقيب : المُرَاقِبُ ، والعتيد : الحاضر . وقوله : { وَجَاءَتْ } عطف ، عندي ، على قوله : { إِذْ يَتَلَقَّى } فالتقدير : وإذ تجيء سكرة الموت . * ت * : قال شيخُنَا ، زينُ الدين العراقيُّ في أرجوزته : [ الرجز ] @ وَسَكْرَةُ المَوْتِ ٱخْتِلاَطُ الْعَقْلِ … @@ البيت . انتهى . وقوله : { بِٱلْحَقِّ } معناه : بلقاء اللَّهِ ، وَفَقْدُ الحياة الدنيا ، وفراقُ الحياة حَقٌّ يعرفه الإنسانُ ، ويحيد منه بأمله ، ومعنى هذا الحيد أَنَّه يقول : أعيش كذا وكذا ، فمتى فكر حاد بذهنه وأمله إلى مسافة بعيدة من الزمان ، وهذا شأن الإنسان ، حَتَّى يفاجئه الأجل ؛ قال عَبْدُ الحَقِّ في « العاقبة » : وَلَمَّا احْتَضَرَ مالك بن أنس ، ونزل به الموتُ قال لمن حضره : لَيُعَاينَنَّ الناسُ غداً من عفو اللَّه وَسَعَةِ رحمته ما لم يخطر على قلب بشر ، كُشِفَ له ـــ رضي اللَّه عنه ـــ عن سعة رحمة اللَّه وكثرة عفوه وعظيم تجاوُزِهِ ما أوجب أَنْ قال هذا ، وقال أبو سليمان الدارانيُّ : دخلنا على عابد نزوره ، وقد حضره الموتُ ، وهو يبكي ، فقلنا له : ما يبكيك ـــ رحمك اللَّه ؟ ! ـــ فأنشأ يقول : [ الطويل ] @ وَحُقَّ لِمِثْلِي البُكَا عِنْدَ مَوْتِه وَمَالِيَ لاَ أَبْكِي وَمَوْتِي قَدِ ٱقْتَرَبْ وَلِي عَمَلٌ في اللَّوْحِ أَحْصَاهُ خَالِقِي فَإنْ لَمْ يَجُدْ بِالْعَفْوِ صِرْتُ إلَى الْعَطَبْ @@ انتهى ، و { يَوْمَ ٱلْوَعِيدِ } : هو يوم القيامة ، والسائِقُ : الحاثُّ على السير ، واختلف الناسُ في السائق والشهيد ، فقال عثمان بن عفان وغيره : هما مَلَكَانِ مُوَكَّلاَنِ بكل إنسان أحدهما يسوقه ، والآخر مِنْ حَفَظَتِهِ يشهد عليه ، وقال أبو هريرة : السائق : مَلَكٌ ، والشهيد : العمل ، وقيل : الشهيد : الجوارح ، وقال بعض النظار : سائق اسم جنس وشهيد كذلك ، فالسَّاقَةُ للناس ملائكة مُوَكَّلُون بذلك ، والشهداء : الحَفَظَةُ في الدنيا ، وكل مَنْ يشهد . وقوله سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ } يعمُّ الصالحين وغيرهم ؛ فإنَّما معنى الآية شهيد بخيره وشَرِّهِ ، ويقوى في شهيد اسم الجنس ، فتشهد الملائكة ، والبِقَاعُ والجوارحُ ؛ وفي الصحيح : " لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ ، وَلاَ جِنٌّ ، وَلاَ شَيْءٌ إلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . وقوله سبحانه : { لَّقَدْ كُنتَ } قال ابن عباس وغيره : أَي : يقال للكافر : لقد كنتَ في غفلة من هذا ، فلمَّا كُشِفَ الغطاءُ عنك الآنَ احْتَدَّ بصرُك ، أي : بصيرتك ؛ وهذا كما تقول : فلان حديد الذِّهْنِ ونحوه ، وقال مجاهد : هو بصر العين ، أي : احْتَدَّ التفاته إلى ميزانه ، وغيرِ ذلك من أهوال القيامة . والوجه عندي ، في هذه الآية ، ما قاله الحسن وسالم بن عبد اللَّه : إنَّها مُخَاطَبَةٌ للإِنسان ذي النفس المذكورة من مؤمن وكافر ، وهكذا ، قال الفخر : قال : والأقوى أنْ يقال : هو خطاب عامٌّ مع السامع ، كأنَّهُ يقول : ذلك ما كنتَ منه تحيد أيُّها السامع ، انتهى ، وينظر إلى معنى كشف الغطاء قول النبي صلى الله عليه وسلم : " النَّاسُ نِيَامٌ ، فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا " .