Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 18-21)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال الحسن : معناه : يدعون في طَلَبِ المغفرة ، ويُرْوَى أَنَّ أبوابَ الجنة تُفْتَحُ سَحَرَ كُلَّ ليلة ، قال ابن زيد : السَّحَرُ : السُّدُسُ الآخر من الليل ، والباء في قوله { وَبِٱلأَسْحَارِ } بمعنى في ؛ قاله أبو البقاء ، انتهى ، ومن كلام [ ابن ] الجوزي في « المُنْتَخَبِ » : يا أخي ، علامةُ المَحَبَّةِ طلبُ الخَلْوَةِ بالحبيبِ ، وبيداءُ اللَّيل فلواتُ الخلوات ، لَمَّا ستروا قيامَ الليل في ظلام الدُّجَى ؛ غَيْرَةً أَنْ يَطَّلِعَ الغيرُ عليهم ـــ سترهم سبحانه بسترٍ ـــ ، { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ] ، لَمَّا صَفَتْ خلواتُ الدُّجَى ، ونادى أذان الوصال : أقم فلاناً ، وأنم فلاناً ـــ خرجت بالأسماء الجرائد ؛ وفاز الأحبابُ بالفوائد ، وأنت غافل راقد . آهِ لو كنتَ معهم ! أسفاً لك ! لو رأيتهم لأبصرتَ طلائِعَ الصِّدِّيقِينَ في أول القوم ، وشاهدتَ سَاقَةَ المستغفرين في الرَّكْبِ ، وسَمِعْتَ استغاثة المُحِبِّينَ في وسط الليل ، ، لو رأيتهم يا غافلُ ، وقد دارت كُؤوسُ المناجات ؛ بين مزاهر التلاوات ، فأسكَرَتْ قَلْبَ الواجدِ ، ورقمت في مصاحف الوجنات . تعرفهم بسيماهم ، يا طويلَ النوم ، فاتتك مِدْحَةُ { تَتَجَافَىٰ } [ السجدة : 16 ] وَحُرِمْتَ مِنْحَةَ { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ } [ آل عمران : 17 ] ، يا هذا ، إنَّ للَّه تعالى ريحاً تُسَمَّى الصَّبِيحَةَ مخزونةً تحتَ العرش ، تَهُبُّ عند الأسحار ، فتحمل الدعاء والأنين والاستغفار إلى حضرة العزيز الجَبَّارِ ، انتهى . { وَفِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ … } الآية ، الصحيح أَنَّها مُحْكَمَةٌ وأنَّ هذا الحق هو على وجه الندب ، و { مَّعْلُومٌ } [ المعارج : 24 ] يُرَادُ به : مُتَعَارَفٌ ، وكذلك قيامُ الليل الذي مدح به ليس من الفرائض ، وأكثر ما تقع الفضيلةُ بفعل المندوبات ، والمحروم هو الذي تَبْعُدُ عنه مُمْكِنَاتُ الرزق بعد قربها منه ، فيناله حرمان وَفاقَةٌ ، وهو مع ذلك لا يسأل ، فهذا هو الذي له حَقٌّ في أموال الأغنياء ، كما للسائل حَقٌّ ، وما وقع من ذكر الخلاف فيه فيرجع إلى هذا ، وبعد هذا محذوف تقديره : فكونوا أَيُّها الناسُ مثلَهم وعلى طريقهم ، و { فِى ٱلأَرْضِ ءَايَـٰتٌ } : لمن اعتبر وأيقن . وقوله سبحانه : { وَفِى أَنفُسِكُمْ } إحالة على النظر في شخص الإنسان ، وما فيه العِبَرِ ، وأمرِ النفسِ ، وحياتِهَا ، ونطقِها ، واتصالِ هذا الجزء منها بالعقل ؛ قال ابن زيد : إنَّما القلب مُضْغَةٌ في جوف ابن آدم ، جَعَلَ اللَّه فيه العقل ، أفيدري أحد ما ذلك العقل ، وما صِفَتُه ، وكيف هو . * ت * : قال ابن العربيِّ في رحلته : اعلم أَنَّ معرفة العبد نَفْسَهُ من أولى ما عليه وآكدِهِ ؛ إذْ لاَ يَعْرِفُ رَبَّه إلاَّ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ ؛ قال تعالى : { وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } وغير ما آية في ذلك ، ثم قال : ولا ينكر عاقل وُجُودَ الرُّوحِ من نفسه ، وإنْ كان لم يدركْ حقيقتَه ، كذلك لا يَقْدِرُ أنْ يُنْكِرَ وُجُودَ الباري سبحانه الذي دَلَّتْ أفعاله عليه ، وإنْ لم يدركْ حقيقته ، انتهى .