Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 21-28)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } اخْتُلِفَ في معنى الآية ، فقال ابن عباس ، وابن جبير ، والجمهور : أخبر اللَّه تعالى أَنَّ المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يلحق الأبناء في الجنة بمراتب الآباء ، وإنْ لم يكن الأبناء في التقوى والأعمال كالآباء ؛ كرامةً للآباء ، وقد ورد في هذا المعنى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا الحديثَ تفسيراً للآية ، وكذلك وردت أحاديث تقتضي أَنَّ اللَّه تعالى يرحم الآباء ؛ رعياً للأبناء الصالحين ، وقال ابن عباس أيضاً والضَّحَّاكُ . معنى الآية : أَنَّ اللَّه تعالى يلحق الأبناء الصغار بأحكام الآباء المؤمنين ، يعني في الموارثة والدفن في مقابر المسلمين ، وفي أحكام الآخرة في الجنة ، وقال منذر بن سعيد : هي في الصغار لا في الكبار ؛ قال * ع * : وأرجح الأقوال في هذه الآية القول الأَوَّل ؛ لأَنَّ الآياتِ كلَّها في صفة إحسان اللَّه تعالى إلى أهل الجنة ، فذكر من جملة إحسانِهِ سبحانه أَنَّه يرْعَى المحسنَ في المسيء ، ولفظة { أَلْحَقْنَا } تقتضي أَنَّ لِلْمُلْحَقِ بعضَ التقصير في الأعمال . * ت * : وأظهرُ مَنْ هذا ما أشار إليه الثعلبيُّ في بعض أنقاله : أَنَّ اللَّه تعالى يجمع لعبده المؤمن ذُرِّيَّتَهُ في الجنة ، كما كانوا في الدنيا ، انتهى ، ولم يتعرَّضْ لذكر الدرجات في هذا التأويل ، وهو أحسن ؛ لأَنَّهُ قد تقرَّرَ أَنَّ رفع الدرجات هي بأعمال العاملين ، والآياتُ والأحاديث مُصَرِّحَةٌ بذلك ، ولما يلزم على التأويل الأَوَّلِ أَنْ يكونَ كُلُّ مَنْ دخل الجنةَ مع آدم ـــ عليه السلام ـــ في درجةٍ واحدة ؛ إذ هم كُلُّهم ذرِّيَّتُهُ ، وقد فتحتُ لك باباً للبحث في هذا المعنى منعني من إتمامه ما قصدته من الاختصار ، وباللَّه التوفيق . وقوله : { وَمَا أَلَتْنَـٰهُمْ } أي : نقصناهم ، ومعنى الآية أَنَّ اللَّه سبحانهُ يُلْحِقُ الأبناء بالآباء ، ولا يُنْقِصُ الآباء من أجورهم شيئاً ، وهذا تأويل الجمهور ، ويحتمل أَنْ يريدَ : مِنْ عمل الأَبناء من شيء من حسن أو قبيح ، وهذا تأويل ابن زيد ، ويُؤيِّدُهُ قوله سبحانه : { كُلُّ ٱمْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } والرهين : المُرْتَهِنُ ، وفي هذه الألفاظ وعيد ، وأمددتُ الشيءَ : إذا سرّبْتُ إليه شيئاً آخر يكثره أو يكثر لديه . وقوله : { مِّمَّا يَشْتَهُونَ } إشارة إلى ما رُوِيَ من أَنَّ المُنَعَّمَ إذا اشتهى لحماً نزل ذلك الحيوان بين يديه على الهيئة التي اشتهاه فيها ، وليس يكون في الجنة لحم يحتز ، ولا يُتَكَلَّفُ فيه الذبح ، والسلخ ، والطبخ ، وبالجملة لا كَلَفَةَ في الجنة ، و { يَتَنَـٰزَعُونَ } معناه : يتعاطون ؛ ومنه قول الأخطل : [ البسيط ] @ نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الَّراحِ الشَّمُولِ وَقَد صَاحَ الدَّجَاجُ وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي @@ قال الفخر : ويحتمل أنْ يقال : التنازع : التجاذُبُ ، وحينئذ يكون تجاذُبُهُمْ تجاذبَ مُلاَعَبَةٍ ، لا تجاذب منازعة ، وفيه نوعُ لَذَّةٍ ، وهو بيان لما عليه حال الشُرَّابِ في الدنيا ؛ فإنَّهم يتفاخرون بكثرة الشرب ، ولا يتفاخرون بكثرة الأكل ، انتهى ، والكأس : الإِناء فيه الشراب ، ولا يقال في فارغ كأس ؛ قاله الزَّجَّاج ، واللغو : السَّقَطُ من القول ، والتأثيم : يلحق خَمْرَ الدنيا في نفس شُرْبِهَا وفي الأفعال التي تكون من شاربيها ، وذلك كُلُّه مُنْتَفٍ في الآخرة . * ت * : قال الثعلبيُّ : وقال ابن عطاء : أيُّ لغوٍ يكون في مجلس : مَحَلُّهُ جَنَّةُ عدن ، والساقي فيه الملائكة ، وشربُهم على ذكر اللَّه ، ورَيحانُهم تحيَّةٌ من عند اللَّه ، والقومُ أضياف اللَّه . { وَلاَ تَأْثِيمٌ } أي : فعل يُؤْثِمُهُمْ ، وهو تفعيل من الإثم ، أي : لا يأثمونَ في شربها ، انتهى واللؤلؤ المكنون أجملُ اللؤلؤ ؛ لأَنَّ الصون والكَنُّ يُحَسِّنُهُ ، قال ابن جبير : أراد الذي في الصّدَفِ لم تنله الأيدي ، وقيل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : " إذَا كَانَ الْغِلْمَانُ كَاللُّؤْلُؤ المَكْنُونِ فَكَيْفَ المَخْدُومُونَ ؟ قال : هُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " . * ت * : وهذا تقريب للأفهام ، وإلاَّ فجمال أهلِ الجَنَّةِ أَعْظَمُ من هذا ، يَدُلُّ على ذلك أحاديث صحيحة ؛ ففي « صحيح مسلم » من حديث أبي هريرةَ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ - وفي رِوَايَةٍ : « مِنْ أُمَّتِي » عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَىٰ أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ إضَاءَةً " ، وفي رواية : " ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ " الحديثَ ، وفي « صحيح مسلم » أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ في الجَنَّةَ لَسُوقاً يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةٍ ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ ، وَيَزْدَادُونَ حُسْناً وَجَمَالاً ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ : واللَّهِ ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً ! فَيَقُولُونَ : وَأَنْتُمْ واللَّهِ ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً " ، انتهى ، وقد أشار الغَزَّاليُّ وغيره إلى طَرَفٍ من هذا المعنى ، لَمَّا تكلَّم على رؤية العارفين للَّه سبحانه في الآخرة ، قال بعد كلام : ولا يَبْعُدُ أَنْ تكونَ ألطاف الكشف والنظر في الآخرة متواليةً إلى غير نهاية ، فلا يزالُ النعيمُ واللَّذَّةُ متزايداً أبَدَ الآبادِ ، وللشيخ أبي الحسن الشاذلي هنا كلام حسن قال : لو كُشِفَ عن نور المؤمن لعبد من دون اللَّه ، ولو كُشِفَ عن نور المؤمن العاصي لطبق السماء والأرض ، فكيف بنور المؤمن المطيع ؟ ! نقل كلامه هذا ابن عطاء اللَّه وابن عَبَّاد ، انظره . ثم وصف تعالى عنهم أَنَّهُم في جملة تنعمهم { يَتَسَاءَلُونَ } أي : عن أحوالهم وما نال كُلَّ واحد منهم ، وأَنَّهم يتذكرون حالَ الدنيا وخشيتَهم عذابَ الآخرة ، والإشفاقُ أَشَدُّ الخشية ورِقَّةُ القلب ، { ٱلسَّمُومِ } : الحارُّ ، و { نَدْعُوهُ } : يحتمل أَنْ يريد : الدعاءَ على بابه ، ويحتمل أنْ يريد نعبده ، وقرأ نافع والكسائيُّ : « أَنَّهُ » ـــ بفتح الهمزة ـــ ، والباقون بكسرها و { ٱلْبَرُّ } الذي يَبرُّ ويُحْسِنُ .