Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 16-25)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } أي : غَشِيَها من أمر اللَّه ما غشيها ، فما يستطيع أحد أَنْ يصفَها ، وقد ذكر المُفَسِّرُون في وصفها أقوالاً هي تَكَلُّفٌ في الآية ؛ لأَنَّ اللَّه تعالى أبهم ذلك ، وهم يريدون شرحه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ " . وقوله تعالى : { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } قال ابن عباس : معناه : ما جال هكذا ولا هكذا . وقوله : { وَمَا طَغَىٰ } معناه : ولا تجاوز المَرْئِيَّ ، وهذا تحقيق للأمر ، ونفيٌ لوجوه الريب عنه . وقوله : { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَـٰتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } قال جماعة : معناه : لقد رأى الكبرى من آياتِ رَبِّهِ ، أي : مِمَّا يمكنُ أنْ يراها البشر ، وقال آخرون : المعنى : لقد رأى بَعْضاً من آيات رَبِّهِ الكبرى ، وقال ابن عباس وابن مسعود : رأى رفرفاً أخضرَ من الجنة ، قد سَدَّ الأفق . * ت * : وزاد الثعلبيُّ : وقيل : المعراج ، وما رأى في تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه ؛ دليلهُ قوله تعالى : { لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَـٰتِنَا } [ الإسراء : 1 ] ، الآية ، قال عِيَاضٌ : وقوله تعالى : { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَـٰتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } انحصرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى ، وتاهت الأحلامُ في تعيين تلك الآيات الكبرى ، وقد اشتملت هذه الآيات على إعلام اللَّه بتزكية جملته ـــ عليه السلام ـــ وعِصْمَتِهَا من الآفات في هذا المسرى ، فزكى فؤادَه ولسانَه وجوارِحَه ؛ فقلبه بقوله تعالى : { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [ النجم : 11 ] ، ولسانَهُ ـــ عليه السلام ـــ بقوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [ النجم : 3 ] ، وبصرَهُ بقوله تعالى : { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } اهـــ . ولما فرغ من ذكر عظمة اللَّه وقدرته قال على جهة التوقيف : { أَفَرَءَيْتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلْعُزَّىٰ … } الآية ، أي : أرأيتم هذه الأوثان وحقارَتَها وبُعْدَهَا عن هذه القدرة والصفات العَلِيَّةِ ، واللات : صنم كانتِ العربُ تعظمه ، والعُزَّى : صخرة بيضاءُ كانت العرب أيضاً تعبُدُها ، وأمَّا مناة : فكانت بالمشلل من قديد ، وكانت أعظم هذه الأوثان عندهم ، وكانت الأوس والخزرج تهل لها ، ووقف تعالى الكُفَّارَ على هذه الأوثان ، وعلى قولهم فيها : إنها بنات اللَّه ، فكأَنَّه قال : أرأيتم هذه الأوثانَ وقولَكُمْ : هي بناتُ اللَّه { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنثَىٰ } ثم قال تعالى على جهة الإنكار : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } أي : عوجاء ؛ قاله مجاهد ، وقيل : جائرة قاله ابن عباس ، وقال سفيان : معناه : منقوصة ، وقال ابن زيد : معناه : مخالفة ، والعرب تقول : ضِزْتُهُ حَقَّهُ أَضِيزُهُ بمعنى : منعته ، وضِيزَى من هذا التصريف ؛ قال أبو حيان : و { ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } صفتان لمناة ؛ للتأكيد ، قيل : وأُكِّدَتْ بهذين الوصفين ؛ لِعَظَمِهَا عندهم ، وقال الزمخشري : والأخرى ذَمٌّ ، وهي المتأخرة الوضيعة المقدارِ ، وتُعُقِّبَ بأنَّ أخرى مُؤنث آخر ، ولم يُوضَعَا لِلذَّمِ ولا للمدح . * ت * : وفي هذا التعقب تعسف ، والظاهر أَنَّ الوصفين معاً سِيقَا مَسَاقَ الذَّمِّ ؛ لأَنَّ هؤلاءِ الكُفَّارِ لم يكتفوا بضلالهم في اعتقادهم ما لا يجوز في اللات والعزى ، إِلى أَنْ أضافوا إلى ذلك مَنَاةَ الثالثة الأخرى الحقيرة ، وكُلُّ أصنامهم حقير ، انتهى . ثم قال تعالى : { إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ } يعني : إنْ هذه الأوصافُ من أَنَّها إناث ، وَأَنَّها آلهة تعْبَدُ ، ونحو هذا ـــ إلاَّ أَسماءٌ ، أي : تسميات اخترعتموها أنتم وآباؤكم ، ما أنزل اللَّه بها برهاناً ولا حُجَّةً ، وما هو إلاَّ اتِّباعُ الظن ، { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } وهَوَى الأنفس هو إرادتها الملذة لها ، وإِنَّما تجد هوى النفس أبداً في ترك الأفضل ؛ لأَنَّها مجبولةٌ بطبعها على حُبِّ الملذ ، وإِنَّما يَرْدَعُها وَيَسُوقُها إلى حُسْنِ العاقبة العقلُ والشرع . وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } فيه توبيخ لهم ، إِذْ يفعلون هذه القبائِحَ والهدى حاضر ، وهو محمد وشرعه ، والإنسان في قوله : { أَمْ لِلإِنسَـٰنِ } اسم جنس ، كأَنَّه يقول : ليست الأشياءُ بالتمني والشهوات ، وإِنَّما الأمر كُلُّه للَّه ، والأعْمَالُ جاريةٌ على قانون أمره ونهيه ، فليس لكم ـــ أَيُّهَا الكَفَرَةُ ـــ مُرَادُكُمْ في قولكم : هذه آلهتنا ، وهي تشفعُ لنا ، وتُقَرِّبُنَا إِلى اللَّه زُلْفَى ، ونحو هذا { فَلِلَّهِ ٱلأَخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } أي : له كل أمرهما : مُلْكاً ، ومقدوراً ، وتَحْتَ سلطانه ، قال الشيخ أبو عبد الرَّحْمٰنِ السُّلَمِيُّ في كتاب « عيوب النفس » : ومن عيوب النفس كثرةُ التَّمَنِّي ، والتَّمَنِّي هو الاعتراضُ على اللَّه عَزَّ وجلَّ في قضائه وقَدَرِهِ ، ومداواتُها أَنْ يعلم أَنَّه لا يدري ما يعقبه التمني ، أيجرُّهُ إلى خير أو إلى شَرٍّ ؟ فإذا تَيَقَّنَ إبهام عاقبة تمنيه ، أَسْقَطَ عن نفسه ذلك ، ورَجَعَ إلى الرِّضَا والتسليم ، فيستريح ، انتهى .