Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 26-32)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ … } الآية : رَدٌّ على قريش في قولهم : الأوثان شفعاؤنا ، { وَكَمْ } للتكثير ، وهي في موضع رفع بالابتداء ، والخبر { لاَ تُغْنِى } والغِنَى جَلْبُ النفع ودَفْعُ الضُّرِّ بحسب الأمر الذي يكون فيه الغناء . وقوله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ } يعني : كُفَّارَ العرب . وقوله : { وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } أي : في المُعْتَقَدَاتِ ، والمواضع التي يريد الإنسانُ أَنْ يُجَرِّرَ ما يَعْقِلُ ويعتقد ؛ فَإنَّهَا مواضع حقائق ، لا تنفعُ الظنونُ فيها ، وَأَمَّا في الأحكام وظواهرها فيجتزىءُ فيها بالمظنونات . ثم سَلَّى سبحانه نَبِيَّه وأمره بالإعراض عن هؤلاء الكَفَرَةِ . وقوله : { عَن ذِكْرِنَا } قال الثعلبيُّ : يعني القرآن . وقوله سبحانه : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } الآية متصلة في معنى التسلية ، ومتضمنة وعيداً للكافرين ، ووعداً للمؤمنين ، والحُسْنَى : الجنة ولا حسنى دونها ، وقد تقدم نقلُ الأقوال في الكبائر في سورة النساء وغيرها ، وتحريرُ القول في الكبائر أَنَّها كُلُّ معصيةٍ يوجد فيها حَدٌّ في الدنيا أو تَوَعُّدٌ عليها بِالنَّارِ في الآخرة ، أو لعنة ، ونحو هذا . وقوله : { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } هو استثناء يَصِحُّ أنْ يكونَ مُتَّصِلاً ، وإنْ قدرته مُنْقَطِعاً ساغ ذلك ، وبِكُلٍّ قد قيل ، واخْتُلِفَ في معنى { ٱللَّمَمَ } فقال أبو هريرة ، وابن عباس ، والشَّعْبِيُّ ، وغيرهم : اللمم : صِغَارُ الذنوب التي لا حَدَّ فيها ولا وَعِيدَ عليها ؛ لأَنَّ الناسَ لا يتخلَّصُونَ من مُوَاقَعَةِ هذه الصغائر ، ولهم مع ذلك الحُسْنَى إذا اجتنبوا الكبائر ، وتظاهر العلماءُ في هذا القول ، وكَثُرَ المائِلُ إليه ، وحُكِيَ عن ابن المُسَيِّبِ أَنَّ اللمم : ما خطر على القلب ، يعني بذلك لمَّةَ الشيطان ، وقال ابن عباس : معناه : إلاَّ ما أَلَمُّوا به من المعاصي الفَلْتَةُ والسَّقْطَةُ دون دوام ثم يتوبون منه ، وعنِ الحسن بن أبي الحسن أَنَّهُ قال : في اللَّمَّةِ من الزنا ، والسَّرِقَةِ ، وشرب الخمر ثم لا يعود ، قال * ع * : وهذا التأويلُ يقتضي الرِّفْقَ بالناس في إدخالهم في الوعد بالحسنى ؛ إذِ الغالب في المؤمنين مواقعةُ المعاصي ، وعلى هذا أنشدوا ، وقد تَمَثَّلَ به النبي صلى الله عليه وسلم : [ الرجز ] @ إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا @@ وقوله سبحانه : { إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } يريد : خلق أبيهم آدم ، ويحتمل أَنْ يرادَ به إنشاء الغذاء ، وأجِنَّةٌ : جمع جنين . وقوله سبحانه : { فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ } ظاهره النهيُ عن تزكية الإنسانِ نَفْسَهُ ، ويحتمل أَنْ يكونَ نهياً عن أنْ يُزَكِّيَ بعضُ الناسِ بعضاً ، وإذا كان هذا ، فَإنَّما يُنْهَى عن تزكية السمعة والمدح للدنيا أو القطع بالتزكية ، وأَمَّا تزكيةُ الإمامِ والقُدْوَةِ أحداً لِيُؤْتَمَّ به أو ليتهمم الناسَ بالخير ، فجائز ، وفي الباب أحاديثُ صحيحة ، وباقي الآية بَيِّنٌ . * ت * : قال صاحِبُ « الكَلِمِ الفارِقِيَّةِ » : أَعْرَفُ الناسِ بنفسه أَشَدُّهُمْ إيقاعاً للتهمة بِها في كل ما يبدو ويظهرُ له منها ، وأجهلهم بمعرفتها وخفايا آفاتها وكوامن مكرها مَنْ زَكَّاها ، وأَحْسَنَ ظَنَّهُ بها ؛ لأَنَّها مُقْبِلَةٌ على عاجل حظوظها ، مُعْرِضَةٌ عنِ الاستعداد لآخرتها ، انتهى ، وقال ابن عطاء اللَّه : أَصْلُ كل معصيةٍ وغفلة ، وشهوة الرضا عن النفس ، وأصل كل طاعة ، ويقظة ، وعِفَّةٍ ـــ عَدَمُ الرضا منك عنها ؛ قال شارحه ابن عُبَّاد : الرضا عن النفس : أصل جميع الصفات المذمومة ، وعَدَمُ الرضا عنها أصلُ الصفات المحمودة ، وقدِ اتَّفق على هذا جميعُ العارفين وأرباب القلوب ؛ وذلك لأَنَّ الرضا عن النفس يوجب تغطيةَ عيوبِهَا ومساويها ، وعَدَمَ الرضا عنها على عكس هذا ؛ كما قيل : [ الطويل ] @ وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا @@ انتهى .