Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 4-10)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ } يراد به القرآن بإجماع . * ت * : وليس هذا الإِجماع بصحيح ، ولفظُ الثعلبيِّ { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ } أي : ما نُطْقُهُ في الدِّينِ إلاَّ بوحي ، انتهى ، وهو أحسن إِنْ شاء اللَّه ، قال الفخر : الوحي اسم ، ومعناه : الكتاب ، أو مصدر وله معانٍ : منها الإرسال ، والإِلهام ، والكتابة ، والكلام ، والإِشارة ، فإنْ قلنا : هو ضمير القرآن فالوحي اسم معناه الكتاب ، ويحتمل أنْ يُقَالَ : مصدر ، أي : ما القرآن إلاَّ إرْسَالٌ ، أي : مُرْسَلٌ ، وَإِنْ قلنا : المراد من قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ } قولُ محمد وكلامُه فالوحي حينئذ هو الإلهام ، أي : كلامه مُلْهَمٌ من اللَّه أو مرسل ، انتهى ، والضمير في { عَلَّمَهُ } لنبِيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والمُعَلِّمُ هو جبريل ـــ عليه السلام ـــ قاله ابن عباس وغيره ، أي : عَلَّم محمداً القرآن ، و { ذُو مِرَّةٍ } معناه : ذو قُوَّة ؛ قاله قتادة وغيره ؛ ومنه قوله ـــ عليه السلام ـــ : " لاَ تَحِلَّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلا لِذِي مِرَّةٍ ، سَوِىّ " وَأصْلُ المِرَّةِ مِنْ مَرَائِرِ الْحَبْلِ ، وهي فتله وإحكام عمله . وقوله : { فَٱسْتَوَىٰ } قال الربيع والزَّجَّاج ، المعنى : فاستوى جبريل في الجو ، وهو إذ ذاك بالأفق الأعلى ؛ إذ رآه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِحِراءَ ، قد سَدَّ الأفق ، له ستمائة جناحٍ ، وحينئذ دنا من محمد ـــ عليه السلام ـــ حتى كان قابَ قوسين ، وكذلك رآه نزلةً أخرى في صفته العظيمة ، له ستمائة جناح عند السِّدْرَةِ . وقوله : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } قال الجمهور : المعنى : دنا جبريل إلى محمد في الأرض عند حِرَاءَ ، وهذا هو الصحيح أَنَّ جميع ما في هذه الآيات من الأوصاف هو مع جبريل ، و { دَنَا } أعمُّ من { تدلى } فَبَيَّنَ تعالى بقوله : { فَتَدَلَّىٰ } هيئَةَ الدُّنُوِّ كيف كانت ، و { قَابَ } : معناه : قَدْر ، قال قتادة وغيره : معناه : من طرف العود إلى طرفه الآخر ، وقال الحسن ومجاهد : من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المِقْبَضِ . وقوله : { أَوْ أَدْنَىٰ } معناه : على مقتضى نظر البشر ، أي : لو رَآه أَحَدُكُمْ لقال في ذلك : قوسان أو أدنى من ذلك ، وقيل : المراد بقوسين ، أي : قَدْرَ الذراعين ، وعن ابن عباس : أنَّ القوس في الآية ذراعٌ يُقَاسُ به ، وذكر الثعلبيُّ أَنَّهَا لُغَةُ بعض الحجازيين . وقوله تعالى : { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } قال ابن عباس : المعنى : فأوحى اللَّهُ إلى عبده محمد ما أوحى ، وفي قوله : { مَا أَوْحَىٰ } إبهام على جهة التفخيم والتعظيم ؛ قال عياض : ولما كان ما كَاشَفَهُ ـــ عليه السلام ـــ من ذلك الجبروتِ ، وشَاهَدَهُ من عجائب الملكوت ، لا تُحِيطُ به العباراتُ ، ولا تستقِلُّ بحمل سماع أدناه العقولُ ـــ رَمَزَ عنه تعالى بالإيماء والكناية الدَّالَّةِ على التعظيم ، فقال تعالى : { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } وهذا النوع من الكلام يسميه أَهْلُ النقد والبلاغة بالوحي والإشارة ، وهو عندهم أبلغ أبواب الإِيجاز ، انتهى .