Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 13-25)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ } الثُّلَّةُ : الجماعة ، قال الحسن بن أبي الحسن وغيره : المراد : السابقون من الأمم والسابقون من هذه الأُمَّةِ ، ورُوِيَ أَنَّ الصحابة حَزِنُوا لِقِلَّةِ سابقي هذه الأُمَّةِ على هذا التأويل ، فنزلت الآية : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ } [ الواقعة : 39 - 40 ] فَرَضُوا ، ورُوِيَ عن عائشة أَنَّها تأوَّلَتْ : أَنَّ الفرقتين في أُمَّةِ كُلِّ نبيٍّ هي في الصدر ثلة وفي آخر الأمة قليل ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه : " الفِرْقَتَانِ في أُمَّتِي ، فَسَابِقُ أَوَّلِ الأُمَّةِ ثُلَّةٌ ، وَسَابِقُ سَائِرِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قليلٌ " قال السهيليُّ : وَأَمَّا آخِرُ مَنْ يدخل الجنة ، وهو آخِرُ أهل النار خروجاً منها ، فرجل اسمه جُهَيْنَةُ ، فيقول أهل الجنة : تعالوا نسأَله فعند جهينةَ الخبر اليقين ، فيسألونه : هل بَقِيَ في النار أَحَدٌ بعدك مِمَّنْ يقول : لا إلٰه إلا اللَّه ؟ وهذا حديث ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق مالك بن أنس ، يرفعه بإسناد إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذكره في كتاب رواة مالك بن أنس ـــ رحمه اللَّه ـــ ، انتهى . وقوله تعالى : { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } أي : منسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض ، كحلق الدِّرْعِ ، ومنه وَضِينُ الناقة وهو حِزَامُهَا ؛ قال ابن عباس : { مَّوْضُونَةٍ } : مرمولة بالذهب ، وقالَ عِكْرَمَةُ : مُشَبَّكَةٌ بالدُّرِّ والياقوت { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } : للخدمة { وِلْدٰنٌ } : وهم صغار الخَدَمَةِ ، ووصفهم سبحانه بالخلد ، وإنْ كان جميعُ ما في الجنة كذلك ، إشارةً إلى أَنَّهُم في حال الولدان مُخَلَّدُونَ ، لا تكبر لهم سِنٌّ ، أي : لا يحولون من حالة إلى حالة ؛ وقاله ابن كيسان ، وقال الفَرَّاء : { مُّخَلَّدُونَ } معناه : مقرطون بالخلدات وهي ضرب من الأقراط والأَوَّلُ أصوب ، لأَنَّ العربَ تقول للذي كَبُرَ ولم يَشِبْ : إِنَّهُ لَمُخَلَّدٌ ، والأكواب : ما كان من أواني الشرب لا أَذُنَ له ولا خُرْطُومَ ، قال قتادة : ليست لها عُرًى ، والإبريق : ماله خرطوم ، والكأس : الآنية المُعَدَّةُ للشرب بشريطةِ أَنْ يكونَ فيها خمر ، ولا يقال لآنية فيها ماء أو لبن كأس . وقوله : { مِّن مَّعِينٍ } قال ابن عباس : معناه من خمر سائلة جارية معينة . وقوله : { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } ذهب أكثر المفسرينَ إلى أَنَّ المعنى : لا يلحق رءوسَهم الصداعُ الذي يَلْحَقُ من خمر الدنيا ، وقال قوم : معناه : لا يفرقون عنها بمعنى لا تقطعُ عنهم لَذَّتُهُمْ بسببٍ من الأسباب ، كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواعٍ من التفريق ، { وَلاَ يُنزِفُونَ } معناه : لا تذهب عقولُهم سكراً ؛ قاله مجاهد وغيره ، والنزيف : السكران ، وباقي الآية بَيِّنٌ ، وَخصَّ المكنون باللؤلؤ ؛ لأَنه أصفى لوناً وأبعدُ عن الغير ، وسألتْ أُمُّ سَلَمَةَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذَا التَّشْبِيهِ ، فَقَالَ : " صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ الدُّرِّ في الأَصْدَافِ الَّذِي لاَ تَمَسُّهُ الأَيْدِي " و { جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي : إنَّ هذه الرتبَ والنعيمَ هي لهم بحسب أعمالهم ؛ لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ المنازل والقسم في الجنة هي مقتسمة على قَدْرِ الأعمال ، ونَفْسُ دخول الجنة هو برحمة اللَّه وفضله ، لا بعمل عامل ؛ كما جاء في الصحيح .