Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 21-23)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { سَابِقُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ … } الآية : لما ذكر تعالى المغفرة التي في الآخرة ، ندب في هذه الآية إلى المسارعة إليها والمسابقة ، وهذه الآية حُجَّةٌ عند جميع العلماء في الندب إلى الطاعات ، وقدِ استدلَّ بها بعضُهم على أَنَّ أَوَّلَ أوقات الصلوات أَفضلُ ؛ لأَنَّهُ يقتضي المسارعةَ والمسابقةَ ، وذكر سبحانه العَرْضَ من الجنة ؛ إذِ المعهودُ أَنَّهُ أَقَلُّ من الطول ، وقد ورد في الحديث : " أَنَّ سَقْفَ الجَنَّةِ الْعَرْشُ " وورد في الحديث : " أَنَّ السَّمٰوَاتِ السَّبْعَ في الكُرْسِيِّ كَالدِّرْهَمِ في الْفَلاَةِ ، وَأَنَّ الْكُرْسِيَّ في الْعَرْشِ كَالدِّرْهَمِ في الْفَلاَةِ " . * ت * : أيها الأخ ، أَمَرَكَ المولى سبحانه بالمسابقة والمسارعة ؛ رحمةً منه وفضلاً ، فلا تغفلْ عن امتثال أمره وإجابة دعوته : [ الخفيف ] @ السِّبَاقَ السِّبَاقَ قَوْلاً وَفِعْلاً حَذَرَ النَّفْسِ حَسْرَةَ الْمَسْبُوقِ @@ ذكر صاحبُ « معالم الإيمان ، وروضات الرضوان » في مناقب صلحاء القيروان ، قال : ومنهم أبو خالد عبد الخالق المتعبد ، كان كثيرَ الخوف والحزن ، وبالخوف مات ؛ رأى يوماً خَيْلاً يسابق بها ، فتقدمها فرسان ، ثم تقدم أَحَدُهُمَا على الآخر ، ثم جَدَّ التالي حتى سَبَقَ الأول ، فتخلَّلَ عبد الخالق الناسَ حَتَّى وصلَ إلى الفرس السابق ، فجعل يُقَبِّلُهُ ويقول : بارك اللَّه فيك ، صَبَرْتَ فظفرت ، ثم سقط مغشيًّا عليه ، انتهى . وقوله سبحانه : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ … } الآية : قال ابن زيد وغيره : المعنى : ما حدث من حادث ، خيرٍ وشَرٍّ ، فهذا على معنى لفظ أصاب ، لا على عُرْفِ المصيبة ؛ فإنَّ عُرْفَهَا في الشر ، وقال ابن عباس ما معناه : أَنَّه أراد عرف المصيبة ، فقوله : { فِى ٱلأَرْضِ } يعني : بالقحوط ، والزلازل ، وغير ذلك و { فِى أَنفُسِكُمْ } : بالموت ، والأمراض ، وغير ذلك . وقوله : { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } معناه : إلاَّ والمصيبة في كتاب و { نَّبْرَأَهَا } معناه : نخلقها ؛ يقال : برأ اللَّهُ الخلق ، أي : خلقهم ، والضميرُ عائد على المصيبة ، وقيل : على الأرض ، وقيل : على الأنفس ؛ قاله ابن عباس وجماعة ، وذكر المهدويُّ جوازَ عود الضمير على جميع ما ذُكِر ، وهي كُلُّها معانٍ صِحَاحٌ . { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } : يريد تحصيلَ الأشياءِ كلها في كتاب ، وقال الثعلبي : وقيل المعنى : إنَّ خَلْقَ ذلك وحِفْظَ جميعه ، على اللَّه يسير ، انتهى . وقوله : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } معناه : فَعَلَ اللَّهُ هذا كُلَّه ، وأَعلمكم به ؛ ليكونَ سَبَبَ تسليتكم وقِلَّةَ اكتراثكم بأمور الدنيا ، فلا تحزنوا على فائت ، ولا تفرحوا الفَرَحَ المبطر بما آتاكم منها ، قال ابن عباس : ليس أحد إلاَّ يحزنُ أو يفرحُ ، ولكن مَنْ أصابته مصيبةٌ فليجعلها صبراً ، ومَنْ أصابه خير فليجعله شكراً ؛ وفي « صحيح مسلم » عن أبي سعيد وأبي هريرةَ ، أَنَّهُمَا سَمِعَا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ وَصَبٍ وَلاَ نَصَبٍ ، وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ ، حَتَّى الهَمِّ يَهُمُّهُ ـــ إلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ " ، وفي « صحيح مسلم » عن عائِشَةَ قالت : سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا ، إلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خِطِيئَةٌ " ، وفي « صحيح مسلم » عن أبي هريرةَ قال : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [ النساء : 123 ] بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغاً شَدِيداً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا وَالشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا " ، انتهى ، وقد تقدم كثير في هذا المختصر من هذا المعنى ، فاللَّه المسؤول أَنْ ينفع به كُلَّ مَنْ حَصَّله أو نظر فيه . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } : يدلُّ على أَنَّ الفرحَ المنهيَّ عنه إنَّما هو ما أَدَّى إلى الاختيال والفخر ، وأَمَّا الفَرَحُ بنعم اللَّه المقترن بالشكر والتواضع ، فَإنَّه لا يستطيع أَحَدٌ دَفْعَهُ عن نفسه ، ولا حرجَ فيه ، واللَّه أعلم .