Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 24-27)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } قال بعضهم : هو خبر مبتدإ محذوف تقديره : هم الذين يبخلون ، وقال بعضهم : هو في موضع نصب ؛ صِفَةً لـ { كُلٌّ } ، وإنْ كان نكرةً فهو يُخَصَّصُ نوعاً ما ؛ فيسوغُ لذلك وصفه بالمعرفة ، وهذا مذهبُ الأخفش ، و { ٱلْكِتَـٰبَ } هنا : اسم جنس لجميع الكتب المُنَزَّلَةِ ، { وَٱلْمِيزَانَ } : العدل في تأويل الأكثرين . وقوله تعالى : { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ } عَبَّرَ سبحانه عن خلقه الحديدَ بالإنزال ؛ كما قال : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ } [ الزمر : 6 ] الآية ، قال جمهورٌ من المفسرين : الحديد هنا أراد به جِنْسَهُ من المعادن وغيرها ، وقال حُذَّاقٌ من المفسرين : أراد به السلاح ، ويترتب معنى الآية بأَنَّ اللَّه أخبر أَنَّهُ أرسل رُسُلاً ، وأنزل كتباً ، وعدلاً مشروعاً ، وسلاحاً يُحَارَبُ به مَنْ عاند ، ولم يقبل هدى اللَّه ؛ إذْ لم يبقَ له عذر ، وفي الآية ـــ على هذا التأويل ـــ حَضٌّ على القتال في سبيل اللَّه وترغيبٌ فيه . وقوله : { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } يقوِّي هذا التأويل . وقوله : { بِٱلْغَيْبِ } معناه : بما سمع من الأَوصاف الغائبة عنه فآمن بها ، وباقي الآية بين . وقوله سبحانه : و { قَفَّيْنَا } معناه : جئنا بهم بعد الأولِينَ ، وهو مأخوذ من القفا ، أي : جيء بالثاني في قَفَا الأَوَّلِ ، فيجيء الأول بين يدي الثاني ، وقد تقدم بيانه . وقوله سبحانه : { وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً } : الجعل في هذه الآية بمعنى الخلق . وقوله : { ٱبتَدَعُوهَا } : صفة لرهبانية ، وخَصَّها بِأَنَّها ابْتُدِعَتْ ؛ لأََنَّ الرأفة والرحمةَ في القلب ، لا تَكَسُّبَ للإنسان فيها ، وَأَمَّا الرهبانيةُ فهي أفعال بدن مع شيء في القلب ، ففيها موضعٌ لِلتَّكَسُّبِ ، ونحو هذا عن قتادة ، والمراد بالرأفة والرحمة حُبُّ بعضهم في بعض وتوادُّهُم ، والمراد بالرهبانية : رَفْضُ النساء ، واتخاذ الصوامع والديارات ، والتفردُ للعبادات ، وهذا هو ابتداعهم ، ولم يَفْرِضِ اللَّه ذلك عليهم ، لكنهم فعلوا ذلك ؛ ابتغاءَ رضوان اللَّه ؛ هذا تأويل جماعة ، وقرأ ابن مسعود : « مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ لَكِنِ ٱبْتَدَعُوهَا » وقال مجاهد : المعنى : كتبناها عليهم ابتغاءَ رضوان اللَّه ، فالاستثناء على هذا مُتَّصِلٌ ، واخْتُلِفَ في الضمير الذي في قوله : { فَمَا رَعَوْهَا } مَنِ المراد به ؟ فقال ابن زيد وغيره : هو عائد على الذين ابتدعوا الرهبانِيَّة ، وفي هذا التأويل لزومُ الإتمام لِكُلِّ مَنْ بدأ بتطوُّعٍ ونَفْلٍ ، وأَنَّهُ يلزمُه أَنْ يرعاه حَقَّ رعيه ، وقال الضَّحَّاكُ وغيره : الضمير للأخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين لها ، ورُوِّينَا في « كتاب الترمذيِّ » عن كثير بن عبد اللَّه المُزَنِيِّ ، عن أبيه ، عن جدِّه : " أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لبِلال بن الحارث : اعْلَمْ ، قَالَ : مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : اعْلَمْ يَا بِلاَلُ ! قَالَ : مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنَّهُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي ، فَإنَّ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً ، وَمَنِ ٱبْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلاَلَةٍ ، لاَ يَرْضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهَا ـــ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئاً " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن ، انتهى .