Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 98-99)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } ، يريد : آدم ـــ عليه السلام ـــ ، { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } ، ٱختَلَفَ المتأوِّلون في معنى هذا الاستقرارِ والاِستيداعِ . فقال الجمهور : مستقَرٌّ في الرحِمِ ، ومستودَعٌ في ظهور الآباءِ حتى يَقْضِيَ اللَّه بخروجهم ، قال ابنُ عَوْن : مشَيْتُ إلى منزل إبراهيمَ النَّخَعيِّ وهو مريضٌ ، فقالوا : قد تُوُفِّيَ ، فأخبرني بعضهم أنَّ عبد الرحمن بْنَ الأسود سأله عن : { مُّسْتَقِرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } ، فقال : مستقرٌّ في الرحِمِ ، ومستودع في الصُّلْبِ ، وقال ابن عباس : المستقرُّ : الأرض ، والمستودَعُ : عند الرحمن ، وقال ابن جُبَيْر : المستودَعُ : في الصلب ، والمستقَرُّ في الآخرة ، قال الفَخْر : والمنقول عن ابن عباس في أكثر الرواياتِ أن المستقرَّ هو الأرحام ، والمستودَعُ الأصلاب ، ثم قرأ : { ونُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ } [ الحج : 5 ] ومما يدلُّ علَىٰ قوة هذا القولِ ؛ أنَّ النطفة لا تبقَىٰ في صُلْب الأب زماناً طويلاً ، والجنينُ في رَحِمِ الأم يبقى زماناً طويلاً ، ولما كان المُكْث في الرحمِ أكثر مما في صُلْب الأب ، كان حمل الاستقرارِ على المُكْث في الرحمِ أولَى . انتهى . قال * ع * : والذي يقتضيه النظر أنَّ ابن آدم هو مستودَعٌ في ظهر أبيه ، وليس بمستقِرٍّ فيه ٱستقراراً مطلقاً ؛ لأنه يتنقَّل لا محالة ، ثم ينتقلُ إلى الرحِمِ ، ثم ينتقل إلى الدنيا ، ثم ينتقلُ إلى القبر ، ثم ينتقلُ إلى المَحْشَر ، ثم ينتقلُ إلى الجَنَّة أو النار ، فيستقرُّ في أحدهما ٱستقراراً مطلقاً ، وليس فيها مستودَعٌ ؛ لأنه لا نُقْلَة له بَعْدُ ، وهو في كلِّ رتبة متوسِّطة بين هذين الطرفَيْن مُسْتَقِرٌّ بالإضافة إلى التي قبلها ، ومستودَعٌ بالإضافة إلى التي بعدها ؛ لأن لفظ الوديعةِ يقتضي فيها نُقْلة ، ولا بُدَّ . وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } ، { ٱلسَّمَاء } ؛ في هذا الموضع : السحابُ ، وكلُّ ما أظلَّك فَهُو سماءٌ ، وقوله : { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } ، قيل : معناه : ممَّا ينبتُ ، وقال الطبريُّ : المراد بـ { كُلِّ شَيْءٍ } : كلُّ ما ينمو مِنْ جميع الحيوان والنباتِ والمعادِنِ ، وغير ذلك ؛ لأن ذلك كله يتعذَّىٰ وينمو بنزولِ الماء من السماءِ ، والضمير في { مِنْهُ } يعود على النباتِ ، وفي الثانِي يعود على الخَضِر ، و { خُضِراً } : بمعنى : أَخْضَر ؛ ومنه قوله ـــ عليه السلام ـــ : " الدُّنْيَا خَضِرَةً حُلْوَةٌ " ، بمعنى : خضراء ؛ وكأن خَضِراً إنما يأتي أبداً لمعنى النَّضَارة ، وليس لِلَّوْن فيه مدخلٌ ، وأخضر إنما تمكُّنه في اللون ، وهو في النَّضَارة تجوّز ، و { حَبّاً مُّتَرَاكِباً } : يعم جميع السنابلِ وما شاكَلَها ؛ كالصَّنَوْبر ، والرُّمَّان ، وغيرِ ذلك . وقوله : { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ } ، تقديره : ونُخْرِجُ مِنَ النخلِ والطَّلْعِ أولَ ما يخرج من النَّخْل ، في أكمامه ، و { قِنْوٰنٌ } : جمع قِنْو ، وهو العِذْق ـــ بكسر العين ـــ ، وهي الكِبَاسَةُ ، والعُرْجُونُ : عوده الذي فيه ينتظمُ التمر ، و { دَانِيَةٌ } : معناه : قريبةٌ من التناول ؛ قاله ابن عباس وغيره . وقرأ الجمهور : « وجَنَّاتٍ » ـــ بالنصب ـــ ؛ عطفاً على قوله : « نَبَاتَ » ، وروي عن عاصم : « وجَنَّاتٌ » ـــ بالرفع ـــ ؛ على تقدير : ولكُمْ جناتٌ أو نحو هذا ، { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ } ـــ بالنصب إجماعاً ـــ ؛ عطفاً علَىٰ قوله : « حَبًّا » ، و { مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } ، قال قتادة : معناه يتشابه في الوَرَقِ ويتبايَنُ في الثَّمَرِ ، وقال الطبريُّ : جائز أن يتشابه في الثَّمَر ويتبايَنُ في الطَّعْم ، ويحتمل أن يريد يتشابه في الطَّعْمِ ويتباين في المَنْظَرِ ، وهذه الأحوال موجودةٌ بالاعتبارِ في أنواع الثمرات . وقوله سبحانه : { ٱنْظُرُواْ } ، وهو نظرُ بَصَرٍ تتركَّب عليه فكرةُ قَلْبٍ ، « والثمر » ؛ في اللغة : جَنَى الشجر وما يطلع ، وإن سمي الشجر : ثماراً ، فبتجوُّز ، وقرأ جمهور الناس : { وَيَنْعِهِ } ـــ بفتح الياء ـــ ، وهو مصدر يَنَعَ يَيْنَعُ ؛ إذا نَضِجَ ، وبالنُّضْج فسره ابن عباس ، وقد يستعمل « يَنَعَ » بمعنى ٱستقَلَّ وٱخضرَّ ناضراً ، قال الفخر : وقدَّم سبحانه الزَّرع ؛ لأنه غذاء ، والثِّمار فواكهٌ وإنما قدَّم النخل على الفواكِهِ ؛ لأن التمر يجرِي مجرى الغذاءِ بالنسبة إلى العرب . انتهى .