Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 125-129)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ … } الآية : { مَنْ } : شَرْطٌ ، و { يَشْرَحْ } جوابُ الشرط . والآيةُ نصٌّ في أن اللَّه تعالى يريدُ هدى المؤمن ، وضلالَ الكافر ، وهذا عند جميعِ أهْل السنَّة بالإرادةِ القديمةِ التي هي صفةُ ذاته تبارك وتعالَىٰ ، والهُدَىٰ هنا : هو خَلْق الإيمان في القَلْبِ ، وشَرْحُ الصدرِ : هو تسهيلُ الإيمان ، وتحبيبُه ، وإعدادُ القَلْبِ لقبولِهِ وتحصيلِهِ ، والصَّدْر : عبارةٌ عن القلب ، وفي { يَشْرَحْ } ضمير يعود على اسم اللَّهِ عزَّ وجلَّ يَعْضُدُهُ اللفظ والمعنَىٰ ، ولا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ، والقولُ بأنه عائدٌ على « المَهْدِيِّ » ـــ قولٌ يتركَّب عليه مذهب القَدَريَّة في خَلْق الأعمال ، ويجبُ أن يُعتقد ضَعْفُهُ ، والحَذَرُ منه ، ورُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم " أنه لَمَّا نزلَتْ هذه الآية ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يُشْرَحُ الصَّدْرُ ؟ قَالَ : إذَا نَزَلَ النُّورُ فِي القَلْبِ ، ٱنْشَرَحَ لَهُ الصَّدْرُ ، وٱنْفَسَحَ ، قَالُوا : وَهَلْ لِذَلِكَ عَلاَمَةٌ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمِ ، الإنَابَةُ إلَىٰ دَارِ الخُلُودِ ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ ، والاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ ، قَبْلَ المَوْتِ " ، والقول في قوله : { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ } كالقول في قوله : { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ } ، وقرأ حمزة وغيره : « حَرَجاً » ـــ بفتح الراء ـــ ، وروي أن عمر بن الخطاب ( رضي اللَّه عنه ) قرأها يوماً بفتح الراء ، فقرأها له بعضُ الصَّحابة بكَسْر الراء ، فقال : ٱبْغُونِي رجُلاً من كِنَانَةَ ، وليكنْ رَاعياً ، وليكُنْ من بني مدلج ، فلما جاء ، قال له : يَا فَتَىٰ ، مَا الحَرِجَةُ عنْدَكُمْ ؟ قال الشَّجَرَةُ تكُونُ بَيْن الأشجار لا تَصِلُ إليها راعيَةٌ ولا وَحْشِيَّة ، قال عمر : كذلِكَ قَلْبُ المنافق لا يَصِلُ إليه شَيْءٌ من الخير . وقوله سبحانه : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَاءِ } ، أي : كأنَّ هذا الضَّيِّقَ الصَّدْرِ متَىٰ حاول الإيمان أو فكَّر فيه ، يجد صعوبته عليه ، والعياذُ باللَّه ، كصعوبةِ الصُّعود في السماء ، قاله ابن جُرَيْج وغيره ، و { فِي ٱلسَّمَاءِ } ، يريد : مِنْ سفل إلى علوٍ ، وتحتمل الآية أنْ يكون التشبيهُ بالصاعدِ في عَقَبَةٍ كَئُود ؛ كأنه يَصْعَدُ بها في الهواء ، ويَصْعَدُ : معناه : يعلو ، ويَصَّعَّدُ : معناه : يتكلَّف من ذلك ما يشقُّ عليه . وقوله : { كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ } ، أي : وكما كان الهدَىٰ كله من اللَّه ، والضلال بإرادته تعالَىٰ ومشيئته ؛ كذلك يجعل اللَّه الرجْسَ ، قال أهل اللغة : الرجْسُ يأتي بمعنى العَذَابِ ، ويأتي بمعنى النَّجَس . وقوله تعالى : { وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } الآية : هذا إشارة إلى القرآن والشرْعِ الذي جاء به نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ؛ قاله ابن عباس ، و { فَصَّلْنَا } ، معناه : بيَّنا وأوضحنا . وقوله سبحانه : { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } ، أي : للمؤمنين ، والضمير في قوله : { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ } عائد عليهم ، والسَّلام : يتجه أن يكون ٱسماً من أسماء اللَّه عزَّ وجلَّ ، ويتجه أن يكون مصدراً بمعنى السلامة . وقوله تعالى : { عِندَ رَبِّهِمْ } يريد في الآخرة بعد الحشر ، ووليُّهم ، أي : وليُّ الإنعام عليهمْ ، و { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، أي : بسَبَبِ ما كانوا يُقَدِّمون من الخير ، ويفعلون من الطاعة والبر . وقوله سبحانه : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مِّنَ ٱلإنْسِ } ، والمعنى : وٱذكر يَوْمَ ، وفي الكلامِ حذفٌ ، تقديره : نقول : يا معشر الجنِّ ، وقوله : { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم } : معناه : أفرطتم ، و { مِّنَ ٱلإنْسِ } : يريد : في إضلالهم وأغوائهم ؛ قاله ابن عباس وغيره ، وقال الكُفَّار من الإنْس ، وهم أولياء الجنِّ الموبَّخين ؛ على جهة الاعتذار عن الجنِّ : { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } ، أي : انتفع ؛ وذلك كٱستعاذتهم بالجنِّ ؛ إذ كان العربيُّ إذا نزل وادياً ، ينادي : يا رَبَّ الوادِي ، إنِّي أستجيرُ بك في هذه الليلة ، ثم يَرَىٰ سلامته إنما هي بحفْظِ جَنِّيِّ ذلك الوادِي ، ونحو ذلك ، وبلوغُ الأجَلِ المؤجَّلِ : هو الموتُ ، وقيل : هو الحشر . وقوله تعالى : { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ … } الآية : إخبارٌ من اللَّه تعالَىٰ عما يقولُ لهم يوم القيامة إثْرَ كلامهم المتقدِّم ، و { مَثْوَاكُمْ } ، أي : مَوْضِعُ ثَوَائكُمْ ؛ كَمُقَامِكُمُ الذي هو مَوْضِعُ الإقامة ؛ قاله الزَّجَّاج ، والاستثناءُ في قوله : { إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ } قالتْ فرقة : « مَا » بمعنى « مَنْ » ، فالمراد : إلا مَنْ شاء اللَّه مِمَّنْ آمن في الدنيا بعد ، إن كان مِنْ هؤلاء الكَفَرة ، وقال الطبريُّ : إن المستثنَىٰ هي المُدَّة التي بَيْنَ حشرهم إلى دخولهم النار ، وقال الطبريُّ ، عن ابن عباس : إنه كان يتأوَّل في هذا الاستثناء ؛ أنه مبلغ حالِ هؤلاء في علْمِ اللَّه ، ثم أسند إليه أنه قال : إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحَدٍ أنْ يحكم على اللَّه في خَلْقه لا يُنْزِلُهم جنَّةً ولا ناراً . قال * ع * : والإجماع على التخليد الأبديِّ في الكُفَّار ، ولا يصحُّ هذا عن ابن عباس ( رضي اللَّه عنه ) . قال * ص * : { إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ } : قيل : ٱستثناء منقطعٌ ، أي : لكِنْ ما شاء اللَّه مِنَ العذابِ الزائِدِ على النَّار ، وقيل : متصلٌ ، واختلفوا في تقديره ، فقيل : هو ٱستثناءٌ مِنَ الأشخاصِ ، وهم مَنْ آمن في الدنيا ، ورُدَّ بأنه يختلف زمان المستثنَىٰ والمستثنَىٰ منه ، فيكون منقطعاً لا متصلاً ؛ لأنَّ مِنْ شرط المتصل ٱتِّحادَ زمانَيِ المُخْرَجِ والمُخْرَجِ منه . انتهى ، وقيل غير هذا . وقوله سبحانه : { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } ، قال قتادة : معناه : نجعل بعضهم وليَّ بعض في الكفر والظلم ، وقال أيضاً : المعنى نجعلُ بعضهم يَلِي بعضاً في دخول النار ، وقال ابن زيد : معناه : نسلِّط بعض الظالمين علَىٰ بعض ، ونجعلهم أولياء النقمة منهم . قال * ع * : وقد حفظ هذا في ٱستعمال الصحابة والتابعين ؛ كقول ابن الزُّبَيْر : أَلاَ إنَّ فَمَ الذِّبَّانِ قَتَلَ لَطِيمَ الشَّيْطَانِ ؛ وَ { كَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .